«فاستنكحوا أمّ جابر» إذ لا معنى لطلب التمسك بالعروة الوثقى بعد الإيمان ، بل الإيمان التمسك نفسه. والعروة ـ بضم العين ـ ما يجعل كالحلقة في طرف شيء ليقبض على الشيء منه ، فللدّلو عروة وللكوز عروة ، وقد تكون العروة في حبل بأن يشدّ طرفه إلى بعضه ويعقد فيصير مثل الحلقة فيه ، فلذلك قال في «الكشاف» : العروة الوثقى من الحبل الوثيق.
و (الْوُثْقى) المحكمة الشدّ. و (لَا انْفِصامَ لَها) أي لا انقطاع ، والفصم القطع بتفريق الاتصال دون تجزئة بخلاف القصم بالقاف فهو قطع مع إبانة وتجزئة.
والاستمساك بالعروة الوثقى تمثيلي ، شبهت هيئة المؤمن في ثباته على الإيمان بهيئة من أمسك بعروة وثقى من حبل وهو راكب على صعب أو في سفينة في هول البحر ، وهي هيئة معقولة شبهت بهيئة محسوسة ، ولذلك قال في «الكشاف» «وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر ، بالمشاهد» وقد أفصح عنه في تفسير سورة لقمان إذ قال «مثلت حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه» ، فالمعنى أنّ المؤمن ثابت اليقين سالم من اضطراب القلب في الدنيا وهو ناج من مهاوي السقوط في الآخرة كحال من تمسك بعروة حبل متين لا ينفصم.
وقد أشارت الآية إلى أنّ هذه فائدة المؤمن تنفعه في دنياه بأن يكون على الحق والبصيرة وذلك ممّا تطلبه النفوس ، وأشارت إلى فائدة ذلك في الآخرة بقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الذي هو تعريض بالوعد والثواب.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))
وقع قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية موقع التعليل لقوله : (لَا انْفِصامَ لَها) [البقرة : ٢٥٦] لأنّ الذين كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله قد تولّوا الله فصار وليّهم ، فهو يقدّر لهم ما فيه نفعهم وهو ذبّ الشبهات عنهم ، فبذلك يستمر تمسّكهم بالعروة الوثقى ويأمنون انفصامها ، أي فإذا اختار أحد أن يكون مسلما فإنّ الله يزيده هدى.
والولي الحليف فهو ينصر مولاه. فالمراد بالنور نور البرهان والحق ، وبالظلمات ظلمات الشبهات والشك ، فالله يزيد الذين اهتدوا هدى لأنّ اتّباعهم الإسلام تيسير لطرق