المجاهد في الجهاد أو بمواقف قومه ، فقد قال الحريش بن هلال القريعي يذكر خيله في غزوة فتح مكة ويوم حنين :
شهدن مع النبي مسوّمات |
|
حنينا وهي دامية الحوامي |
ووقعة خالد شهدت وحكّت |
|
سنابكها على البلد الحرام |
وقال عباس بن مرداس يتمدّح بمواقع قومه في غزوة حنين :
حتّى إذا قال النبي محمد |
|
أبني سليم قد وفيتم فأرجعوا |
عدنا ولو لا نحن أحدق جمعهم |
|
بالمسلمين وأحرزوا ما جمّعوا |
والأذى هو أن يؤذي المنفق من أنفق عليه بإساءة في القول أو في الفعل قال النابغة :
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة |
|
لوالده ليست بذات عقارب |
فالمقصد الشرعي أن يكون إنفاق المنفق في سبيل الله مرادا به نصر الدين ولا حظّ للنفس فيه ، فذلك هو أعلى درجات الإنفاق وهو الموعود عليه بهذا الأجر الجزيل ، ودون ذلك مراتب كثيرة تتفاوت أحوالها.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))
تخلّص من غرض التنويه بالإنفاق في سبيل الله إلى التنويه بضرب آخر من الإنفاق وهو الإنفاق على المحاويج من الناس ، وهو الصدقات. ولم يتقدم ذكر للصدقة إلّا أنّها تخطر بالبال عند ذكر الإنفاق في سبيل الله ، فلما وصف الإنفاق في سبيل الله بصفة الإخلاص لله فيه بقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا) [البقرة : ٢٦٢] الآية انتقل بمناسبة ذلك إلى طرد ذلك الوصف في الإنفاق على المحتاجين ؛ فإنّ المنّ والأذى في الصدقة أكثر حصولا لكون الصدقة متعلّقة بأشخاص معيّنين ، بخلاف الإنفاق في سبيل الله فإن أكثر من تنالهم النفقة لا يعلمهم المنفق.
فالمنّ على المتصدّق عليه هو تذكيره بالنعمة كما تقدم آنفا.