العطاء بأفضل ما وعد به المحسنون ، من تسميته قرضا لله تعالى ، ومن توفير ثوابه ، كما جاءت به الآيات التي نحن بصدد تفسيرها.
ويلحق بهذا النوع أخذ الخمس من الغنيمة مع أنّها حق المحاربين ، فانتزع منهم ذلك وقال لهم : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) ـ إلى قوله ـ (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) [الأنفال : ٤١] فحرضهم على الرضا بذلك ، ولا شك أنّه انتزعه من أيدي الذين اكتسبوه بسيوفهم ورماحهم. وكذلك يلحق به النفقات الواجبة غير نفقة الزوجة لأنّها غير منظور فيها إلى الانتزاع إذ هي في مقابلة تألّف العائلة ، ولا نفقة الأولاد كذلك لأنّ الداعي إليها جبليّ. أما نفقة غير البنين عند من يوجب نفقة القرابة فهي من قسم الانتزاع الواجب ، ومن الانتزاع الواجب الكفارات في حنث اليمين ، وفطر رمضان ، والظهار ، والإيلاء ، وجزاء الصيد. فهذا توزيع بعض مال الحي في حياته.
وأما توزيع المال بعد وفاة صاحبه فذلك ببيان فرائض الإرث على وجه لا يقبل الزيادة والنقصان. وقد كان العرب يعطون أموالهم لمن يحبّون من أجنبي أو قريب كما قدمنا بيانه في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) [١٨٠] ، وكان بعض الأمم يجعل الإرث للأكبر.
وجعل توزيع هذه الفرائض على وجه الرحمة بالناس أصحاب الأموال ، فلم تعط أموالهم إلّا لأقرب الناس إليهم ، وكان توزيعه بحسب القرب كما هو معروف في مسائل الحجب من الفرائض ، وبحسب الأحوجية إلى المال ، كتفضيل الذكر على الأنثى لأنّه يعول غيره والأنثى يعولها غيرها. والتفت في هذا الباب إلى أصحاب الأموال فترك لهم حقّ التصرّف في ثلث أموالهم يعينون من يأخذه بعد موتهم على شرط ألّا يكون وارثا ، حتى لا يتوسلوا بذلك إلى تنفيل وارث على غيره.
وجعلت الشريعة من الانتزاع انتزاعا مندوبا إليه غير واجب ، وذلك أنواع المواساة بالصدقات والعطايا والهدايا والوصايا وإسلاف المعسر بدون مراباة وليس في الشريعة انتزاع أعيان المملوكات من الأصول فالانتزاع لا يعدو انتزاع الفوائد بالعدالة والمساواة.
وجملة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) إلى آخرها مستأنفة استئنافا بيانيا. وتنكير (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) للتقليل ، أي أقلّ قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى. والمعروف هو الذي يعرفه الناس ، أي لا ينكرونه. فالمراد به القول الحسن وهو ضدّ الأذى.