فيكون مندرجا في الحالة المشبّهة ، وإجراء ضمير كسبوا ضمير جمع لتأويل الذي ينفق بالجماعة ، وصالحا لأن يكون حالا من مثل صفوان باعتبار أنّه مثل على نحو ما جوّز في قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩] إذ تقديره فيه كمثل ذوي صيّب فلذلك جاء ضميره بصيغة الجمع رعيا للمعنى وإن كان لفظ المعاد مفردا ، وصالحا لأن يجعل استينافا بيانيا لأنّ الكلام الذي قبله يثير سؤال سائل عن مغبة أمر المشبّه ، وصالحا لأن يجعل تذييلا وفذلكة لضرب المثل فهو عود عن بدء قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] إلى آخر الكلام.
وصالحا لأن يجعل حالا من صفوان أي لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا منه وحذف عائد الصلة لأنّه ضمير مجرور بما جرّ به اسم الموصول. ومعنى (لا يَقْدِرُونَ) لا يستطيعون أن يسترجعوه ولا انتفعوا بثوابه فلم يبق لهم منه شيء.
ويجوز أن يكون المعنى لا يحسنون وضع شيء ممّا كسبوا موضعه ، فهم يبذلون ما لهم لغير فائدة تعود عليهم في آجلهم ، بدليل قوله : (اللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
والمعنى فتركه صلدا لا يحصدون منه زرعا كما في قوله : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) [الكهف : ٤٢].
وجملة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) تذييل والواو اعتراضية وهذا التذييل مسوق لتحذير المؤمنين من تسرّب أحوال الكافرين إلى أعمالهم فإنّ من أحوالهم المنّ على من ينفقون وأذاه.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))
عطف مثل الذين ينفقون أموالهم في مرضاة الله على مثل الذي ينفق ماله رئاء الناس ، لزيادة بيان ما بين المرتبتين من البون وتأكيدا للثناء على المنفقين بإخلاص ، وتفنّنا في التمثيل. فإنّه قد مثّله فيما سلف بحبّة أنبتت سبع سنابل ، ومثّله فيما سلف تمثيلا غير كثير التركيب لتحصل السرعة بتخيّل مضاعفة الثواب ، فلما مثّل حال المنفق رئاء بالتمثيل الذي مضى أعيد تمثيل حال المنفق ابتغاء مرضاة الله بما هو أعجب في حسن التخيّل ؛ فإنّ الأمثال تبهج السامع كلّما كانت أكثر تركيبا وضمّنت الهيئة المشبّه بها أحوالا حسنة