وقوله : «ضعفين» التثنية فيه لمجرد التكرير ـ مثل لبّيك ـ أي آتت أكلها مضاعفا على تفاوتها.
وقوله : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) ، أي فإن لم يصبها مطر غزير كفاها مطر قليل فآتت أكلها دون الضعفين. والمعنى أن الإنفاق لابتغاء مرضاة الله له ثواب عظيم ، وهو ـ مع ذلك ـ متفاوت على تفاوت مقدار الإخلاص في الابتغاء والتثبيت كما تتفاوت أحوال الجنات الزكية في مقدار زكائها ولكنها لا تخيب صاحبها.
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))
استئناف بياني أثاره ضرب المثل العجيب للمنفق في سبيل الله بمثل حبّة أنبتت سبع سنابل ، ومثل جنة بربوة إلى آخر ما وصف من المثلين. ولمّا أتبع بما يفيد أنّ ذلك إنّما هو للمنفقين في سبيل الله الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ، ثم أتبع بالنهي عن أن يتبعوا صدقاتهم بالمنّ والأذى ، استشرفت نفس السامع لتلقي مثل لهم يوضح حالهم الذميمة كما ضرب المثل لمن كانوا بضدّ حالهم في حالة محمودة.
ضرب الله هذا مثلا لمقابل مثل النفقة لمرضاة الله والتصديق وهو نفقة الرئاء ، ووجه الشبه هو حصول خيبة ويأس في وقت تمام الرجاء وإشراف الإنتاج ، فهذا مقابل قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [البقرة : ٢٦٥] الآية. وقد وصف الجنّة بأعظم ما يحسن به أحوال الجنّات وما يرجى منه توفر ريعها ، ثم وصف صاحبها بأقصى صفات الحاجة إلى فائدة جنّته ، بأنّه ذو عيال فهو في حاجة إلى نفعهم وأنهم ضعفاء ـ أي صغار ـ إذ الضعيف في «لسان العرب» هو القاصر ، ويطلق الضعيف على الفقير أيضا ، قال تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) [البقرة : ٢٨٢] ، وقال أبو خالد العتّابي :
لقد زاد الحياة إليّ حبا |
|
بناتي إنّهنّ من الضّعاف |
وقد أصابه الكبر فلا قدرة له على الكسب غير تلك الجنة ، فهذه أشدّ الأحوال الحرص كقول الأعشى :
كجابية الشّيخ العراقي تفهق