فقوله : «أحياء» هو خبر مبتدأ محذوف وهو كلام مستأنف بعد (بَلْ) الإضرابية.
وإنما قال : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) للإشارة إلى أنها حياة غير جسمية ولا مادّيّة بل حياة روحية ، لكنها زائدة على مطلق حياة الأرواح ، فإن للأرواح كلها حياة وهي عدم الاضمحلال وقبول التجسد في الحشر مع إحساس ما بكونها آئلة إلى نعيم أو جحيم ، وأما حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهي حياة مشتملة على إدراكات التنعم بلذات الجنة والعوالم العلوية والانكشافات الكاملة ، ولذلك ورد في الحديث «إن أرواح الشهداء تجعل في حواصل طيور خضر ترعى من ثمر الجنة وتشرب من مائها». والحكمة في ذلك أن اتصال اللذات بالأرواح متوقف على توسط الحواس الجسمانية ، فلما انفصلت الروح عن الجسد عوّضت جسدا مناسبا للجنة ليكون وسيلة لنعيمها.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ).
عطف : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) على قوله : (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ١٥٣] عطف المقصد على المقدمة كما أشرنا إليه قبل ، ولك أن تجعل قوله : (وَنَبْلُوكُمْ) عطفا على قوله : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٥٠] الآيات ليعلم المسلمين أن تمام النعمة ومنزلة الكرامة عند الله لا يحول بينهم وبين لحاق المصائب الدنيوية المرتبطة بأسبابها ، وأن تلك المصائب مظهر لثباتهم على الإيمان ومحبة الله تعالى والتسليم لقضائه فينالون بذلك بهجة نفوسهم بما أصابهم في مرضاة الله ويزدادون به رفعة وزكاء ، ويزدادون يقينا بأن اتّباعهم لهذا الدين لم يكن لنوال حظوظ في الدنيا ، وينجر لهم من ذلك ثواب ، ولذلك جاء بعده (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وجعل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ١٥٣] الآية بين هذين المتعاطفين ليكون نصيحة لعلاج الأمرين تمام النعمة والهدى والابتلاء ، ثم أعيد عليه ما يصير الجميع خبرا بقوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
وجيء بكلمة (شيء) تهوينا للخبر المفجع ، وإشارة إلى الفرق بين هذا الابتلاء وبين الجوع والخوف اللذين سلطهما الله على بعض الأمم عقوبة ، كما في قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل : ١١٢] ولذلك جاء هنا بكلمة (شيء) وجاء