الثاني ما يصدر عن العلم به كمال نفسية الإنسان ، وهو علم الأخلاق.
الثالث تهذيب العائلة ، وهو المسمّى عند اليونان علم تدبير المنزل.
الرابع تقويم الأمة وإصلاح شئونها وهو المسمّى علم السياسة المدنية ، وهو مندرج في أحكام الإمامة والأحكام السلطانية. ودعوة الإسلام في أصوله وفروعه لا تخلو عن شعبة من شعب هذه الحكمة.
وقد ذكر الله الحكمة في مواضع كثيرة من كتابه مرادا بها ما فيه صلاح النفوس ، من النبوءة والهدى والإرشاد. وقد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير ، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة ، وكليات جامعة لجماع الآداب .. وذكر الله تعالى ـ في كتابه ـ حكمة لقمان ووصاياه في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان : ١٢] الآيات. وقد كانت لشعراء العرب عناية بإبداع الحكمة في شعرهم وهي إرسال الأمثال ، كما فعل زهير في الأبيات التي أولها «رأيت المنايا خبط عشواء» والتي افتتحها بمن ومن في معلقته. وقد كانت بيد بعض الأحبار صحائف فيها آداب ومواعظ مثل شيء من جامعة سليمان عليهالسلام وأمثاله ، فكان العرب ينقلون منها أقوالا. وفي «صحيح البخاري» في باب الحياء من كتاب الأدب أنّ عمران بن حصين قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الحياء لا يأتي إلّا بخير ، فقال بشير بن كعب العدوي : مكتوب في الحكمة إنّ من الحياء وقارا وإنّ من الحياء سكينة ، فقال له عمران : أحدّثك عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وتحدّثني عن صحيفتك».
والحكيم هو النابغ في هاته العلوم أو بعضها فبحكمته يعتصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار مبلغ حكمته ، وفي الغرض الذي تتعلّق به حكمته.
وعلوم الحكمة هي مجموع ما أرشد إليه هدي الهداة من أهل الوحي الإلهي الذي هو أصل إصلاح عقول البشر ، فكان مبدأ ظهور الحكمة في الأديان ، ثم ألحق بها ما أنتجه ذكاء العقول من أنظارهم المتفرّعة على أصول الهدى الأول. وقد مهّد قدماء الحكماء طرائق من الحكمة فنبعت ينابيع الحكمة في عصور متقاربة كانت فيها مخلوطة بالأوهام والتخيّلات والضلالات. بين الكلدانيين والمصريين والهنود والصين ، ثم درسها حكماء اليونان فهذّبوا وأبدعوا ، وميّزوا علم الحكمة عن غيره ، وتوخّوا الحق ما استطاعوا فأزالوا أوهاما عظيمة وأبقوا كثيرا. وانحصرت هذه العلوم في طريقتي سقراط وهي نفسية ، وفيثاغورس وهي رياضية عقلية. والأولى يونانية والثانية لإيطاليا اليونانية. وعنهما أخذ