أفلاطون ، واشتهر أصحابه بالإشراقيين ، ثم أخذ عنه أفضل تلامذته وهو أرسطاطاليس وهذّب طريقته ووسّع العلوم ، وسمّيت أتباعه بالمشّائين ، ولم تزل الحكمة من وقت ظهوره معوّلة على أصوله إلى يومنا هذا.
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وهو الذي شاء الله إيتاءه الحكمة. والخير الكثير منجرّ إليه من سداد الرأي والهدي الإلهي ، ومن تفاريع قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوغّل في فهمها واستحضار مهمها ؛ لأنّنا إذا تتبّعنا ما يحلّ بالناس من المصائب نجد معظمها من جرّاء الجهالة والضلالة وأفن الرأي. وبعكس ذلك نجد ما يجتنيه الناس من المنافع والملائمات منجرّا من المعارف والعلم بالحقائق ، ولو أنّنا علمنا الحقائق كلّها لاجتنبنا كل ما نراه موقعا في البؤس والشقاء.
وقرأ الجمهور (وَمَنْ يُؤْتَ) بفتح المثناة الفوقية بصيغة المبني للنائب ، على أنّ ضمير يؤت نائب فاعل عائد على من الموصولة وهو رابط الصلة بالموصول. وقرأ يعقوب ومن يؤت الحكمة ـ بكسر المثناة الفوقية ـ بصيغة البناء للفاعل. فيكون الضمير الذي في فعل يؤت عائدا إلى الله تعالى ، وحينئذ فالعائد ضمير نصب محذوف والتقدير : ومن يؤته الله.
وقوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) تذييل للتنبيه على أنّ من شاء الله إيتاء الحكمة هو ذو اللّب. وأنّ تذكر الحكمة واستصحاب إرشادها بمقدار استحضار اللّب وقوته واللّب في الأصل خلاصة الشيء وقلبه ، وأطلق هنا على عقل الإنسان لأنّه أنفع شيء فيه.
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠))
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ).
تذييل للكلام السابق المسوق للأمر بالإنفاق وصفاته المقبولة والتحذير من المثبّطات عنه ابتداء من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة : ٢٦٧].
والمقصود من هذا التذييل التذكير بأنّ الله لا يخفى عليه شيء من النفقات وصفاتها ، وأدمج النذر مع الإنفاق فكان الكلام جديرا بأن يكون تذييلا.