هذا وعيد قوبل به الوعد الذي كنّي عنه بقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ، والمراد بالظالمين المشركون علنا والمنافقون ، لأنّهم إن منعوا الصدقات الواجبة فقد ظلموا مصارفها في حقّهم في المال وظلموا أنفسهم بإلقائها في تبعات المنع ، وإن منعوا صدقة التطوّع فقد ظلموا أنفسهم بحرمانها من فضائل الصدقات وثوابها في الآخرة.
والأنصار جمع نصير ، ونفي الأنصار كناية عن نفي النصر والغوث في الآخرة وهو ظاهر ، وفي الدنيا لأنّهم لما بخلوا بنصرهم الفقير بأموالهم فإنّ الله يعدمهم النصير في المضائق ، ويقسي عليهم قلوب عباده ، ويلقي عليهم الكراهية من الناس.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١))
استئناف بياني ناشئ عن قوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة : ٢٧٠] ، إذ أشعر تعميم «من نفقة» بحال الصدقات الخفيّة فيتساءل السامع في نفسه هل إبداء الصدقات يعد رياء وقد سمع قبل ذلك قوله : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) [البقرة : ٢٦٤] ، ولأنّ قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة : ٢٧٠] قد كان قولا فصلا في اعتبار نيّات المتصدّقين وأحوال ما يظهرونه منها وما يخفونه من صدقاتهم. فهذا الاستئناف يدفع توهّما من شأنه تعطيل الصدقات والنفقات ، وهو أن يمسك المرء عنها إذا لم يجد بدّا من ظهورها فيخشى أن يصيبه الرياء.
والتعريف في قوله : (الصَّدَقاتِ) تعريف الجنس ، ومحمله على العموم فيشمل كل الصدقات فرضها ونفلها ، وهو المناسب لموقع هذه الآية عقب ذكر أنواع النفقات.
وجاء الشرط بإن في الصدقتين لأنّها أصل أدوات الشرط ، ولا مقتضى للعدول عن الأصل ، إذ كلتا الصدقتين مرض لله تعالى ، وتفضيل صدقة السرّ قد وفى به صريح قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
وقوله : (فَنِعِمَّا) أصله فنعم ما ، فأدغم المثلان وكسرت عين نعم لأجل التقاء الساكنين ، وما في مثله نكرة تامة أي متوغّلة في الإبهام لا يقصد وصفها بما يخصّصها ، فتمامها من حيث عدم اتباعها بوصف لا من حيث إنّها واضحة المعنى ، ولذلك تفسّر بشيء. ولما كانت كذلك تعيّن أن تكون في موضع التمييز لضمير نعم المرفوع المستتر ، فالقصد منه التنبيه على القصد إلى عدم التمييز حتى إنّ المتكلم ـ إذا ميّز ـ لا يميّز إلّا