فقال العصام : «كأنّ نكتة ذكره هنا أنّ الإبداء لا ينفكّ عن إيتاء الفقراء ؛ لأنّ الفقير يظهر فيه ويمتاز عن غيره إذ يعلمه الناس بحاله ، بخلاف الإخفاء ، فاشترط معه إيتاؤها للفقير حثّا على الفحص عن حال من يعطيه الصدقة» (أي لأنّ الحريصين ـ من غير الفقراء ـ يستحيون أن يتعرّضوا للصدقات الظاهرة ولا يصدّهم شيء عن التعرّض للصدقات الخفيّة).
وقال الخفاجي : «لم يذكر الفقراء مع المبداة لأنّه أريد بها الزكاة ومصارفها الفقراء وغيرهم ، وأما الصدقة المخفاة فهي صدقة التطوّع ومصارفها الفقراء فقط». وهو ضعيف لوجهين : أحدهما أنّه لا وجه لقصر الصدقة المبداة على الفريضة ولا قائل به بل الخلاف في أنّ تفضيل الإخفاء هل يعمّ الفريضة أولا ، الثاني أنّ الصدقة المتطوّع بها لا يمتنع صرفها لغير الفقراء كتجهيز الجيوش.
وقال الشيخ ابن عاشور جدّي في تعليق له على حديث فضل إخفاء الصدقة من «صحيح مسلم» : «عطف إيتاء الفقراء على الإخفاء المجعول شرطا للخيرية في الآية ـ مع العلم بأنّ الصدقة للفقراء ـ يؤذن بأنّ الخيرية لإخفاء حال الفقير وعدم إظهار اليد العليا عليه» ، أي فهو إيماء إلى العلة وأنّها الإبقاء على ماء وجه الفقير ، وهو القول الفصل لانتفاء شائبة الرياء.
وقوله : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قرأه نافع والكسائي وأبو بكر وأبو جعفر وخلف بنون العظمة ، وبجزم الراء عطفاء على موضع جملة الجواب وهي جملة فهو خير لكم ، فيكون التكفير معلّقا على الإخفاء. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو بالنون أيضا وبرفع الراء على أنّه وعد على إعطاء الصدقات ظاهرة أو خفية وقرأه ابن عامر وحفص بالتحتية ـ على أنّ ضميره عائد إلى الله ـ وبالرفع.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))
استئناف معترض به بين قوله (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧١] وبين قوله: (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) ، ومناسبته هنا أنّ الآيات المتقدمة يلوح من خلالها أصناف من الناس : منهم الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ومنهم