لا يظلمون ، وإنّما يظلمون أنفسهم.
وإنما جعلت هاته الأحكام جملا مستقلا بعضها عن بعض ولم تجعل جملة واحدة مقيّدة فائدتها بقيود جميع الجمل وأعيد لفظ الإنفاق في جميعها بصيغ مختلفة تكريرا للاهتمام بشأنه ، لتكون كل جملة مستقلة بمعناها قصيرة الألفاظ كثيرة المعاني ، فتجري مجرى الأمثال ، وتتناقلها الأجيال.
وقد أخذ من الآيات الأخيرة ـ على أحد التفسيرين ـ جواز الصدقة على الكفّار ، والمراد الكفّار الذي يختلطون بالمسلمين غير مؤذين لهم وهم أهل العهد وأهل الذمّة والجيران. واتفق فقهاء الإسلام على جواز إعطاء صدقة التطوع للكافرين ، وحكمة ذلك أنّ الصدقة من إغاثة الملهوف والكافر من عباد الله ، ونحن قد أمرنا بالإحسان إلى الحيوان ، ففي الحديث الصحيح : قالوا يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم لأجرا. فقال : «في كل ذي كبد رطبة أجر».
واتفق الفقهاء على أنّ الصدقة المفروضة ـ أعني الزكاة ـ لا تعطى للكفّار ، وحكمة ذلك أنّها إنّما فرضت لإقامة أود المسلمين ومواساتهم ، فهي مال الجامعة الإسلامية يؤخذ بمقادير معيّنة ، ففيه غنى المسلمين ، بخلاف ما يعطيه المرء عن طيب نفس لأجل الرأفة والشفقة. واختلفوا في صدقة الفطر ، فالجمهور ألحقوها بالصدقات المفروضة ، وأبو حنيفة ألحقها بصدقة التطوّع فأجاز إعطاءها إلى الكافر. ولو قيل ذلك في غير زكاة الفطر كان أشبه ، فإنّ العيد عيد المسلمين ، ولعله رآها صدقة شكر على القدرة على الصيام ، فكان المنظور فيها حال المتصدّق لا حال المتصدّق عليه. وقوله الجمهور أصح لأنّ مشروعيتها لكفاية فقراء المسلمين عن المسألة في يوم عيدهم وليكونوا في ذلك اليوم أوسع حالا منهم في سائر المدة ، وهذا القدر لا تظهر حكمته في فقراء الكافرين.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))
(لِلْفُقَراءِ) متعلّق بتنفقون الأخير ، وتعلّقه به يؤذن بتعلّق معناه بنظائره المقدّمة ، فما من نفقة ذكرت آنفا إلّا وهي للفقراء لأنّ الجمل قد عضد بعضها بعضا.
و (الَّذِينَ أُحْصِرُوا) أي حبسوا وأرصدوا. ويحتمل أنّ المراد بسبيل الله هنا