للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ، فاسم الموصول مبتدأ ، وجملة (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) خبر المبتدأ.
وأدخل الفاء في خبر الموصول للتنبيه على تسبّب استحقاق الأجر على الإنفاق لأنّ المبتدأ لما كان مشتملا على صلة مقصود منها التعميم ، والتعليل ، والإيماء إلى علّة بناء الخبر على المبتدأ ـ وهي ينفقون ـ صحّ إدخال الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط ؛ لأنّ أصل الفاء الدلالة على التسبّب وما أدخلت في جواب الشرط إلّا لذلك. والسرّ : الخفاء. والعلانية : الجهر والظهور. وذكر عند ربّهم لتعظيم شأن الأجر.
وقوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مقابل قوله : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [البقرة : ٢٧٠] إذ هو تهديد لمانعي الصدقات بإسلام الناس إياهم عند حلول المصائب بهم ، وهذا بشارة للمنفقين بطيب العيش في الدنيا فلا يخافون اعتداء المعتدين لأنّ الله أكسبهم محبة الناس إياهم ، ولا تحلّ بهم المصائب المحزنة إلّا ما لا يسلم منه أحد ممّا هو معتاد في إبانه.
أما انتفاء الخوف والحزن عنهم في الآخرة فقد علم من قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
ورفع خوف في نفي الجنس إذ لا يتوهم نفي الفرد لأنّ الخوف من المعاني التي هي أجناس محضة لا أفراد لها كما تقدّم في قوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ) [البقرة : ٢٥٤] ، ومنه ما في حديث أم زرع : «لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة».
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥))
نظم القرآن أهمّ أصول حفظ مال الأمّة في سلك هاته الآيات. فبعد أن ابتدأ بأعظم تلك الأصول وهو تأسيس مال للأمة به قوام أمرها ، يؤخذ من أهل الأموال أخذا عدلا مما كان فضلا عن الغنى فقرضه على الناس ، يؤخذ من أغنيائهم فيردّ على فقرائهم ، سواء في ذلك ما كان مفروضا وهو الزكاة أو تطوّعا وهو الصدقة ، فأطنب في الحثّ عليه ، والترغيب في ثوابه ، والتحذير من إمساكه ، ما كان فيه موعظة لمن اتّعظ ، عطف الكلام