كذلك. ولما كان معنى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) [البقرة : ٢٧٥] أذن فيه كان في قوة قضية موجبة ، فلم يقتض استغراق الجنس بالصيغة ، ولم تقم قرينة على قصد الاستغراق قيامها في نحو الحمد لله ، فبقي محتملا شمول الحلّ لسائر أفراد البيع. ولما كان البيع قد تعتريه أسباب توجب فساده وحرمته تتبّعت الشريعة أسباب تحريمه ، فتعطّل احتمال الاستغراق في شأنه في هذه الآية.
أما معنى قوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا) فهو في حكم المنفي لأنّ حرم في معنى منع ، فكان مقتضيا استغراق جنس الربا بالصيغة ؛ إذ لا يطرأ عليه ما يصيّره حلالا.
ثم اختلف علماء الإسلام في أنّ لفظ الربا في الآية باق على معناه المعروف في اللغة ، أو هو منقول إلى معنى جديد في اصطلاح الشرع.
فذهب ابن عباس وابن عمر ومعاوية إلى أنّه باق على معناه المعروف وهو ربا الجاهلية ، أعني الزيادة لأجل التأخير ، وتمسك ابن عباس بحديث أسامة «إنّما الربا في النسيئة» ولم يأخذ بما ورد في إثبات ربا الفضل بدون نسيئة ، قال الفخر : «ولعلّه لا يرى تخصيص القرآن بخبر الآحاد» ، يعني أنّه حمل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) على عمومه.
وأما جمهور العلماء فذهبوا إلى أنّ الربا منقول في عرف الشرع إلى معنى جديد كما دلّت عليه أحاديث كثيرة ، وإلى هذا نحا عمر بن الخطاب وعائشة وأبو سعيد الخدري وعبادة بن الصامت بل رأى عمر أنّ لفظ الربا نقل إلى معنى جديد ولم يبيّن جميع المراد منه فكأنّه عنده ممّا يشبه المجمل ، فقد حكى عنه ابن رشد في المقدمات أنّه قال : «كان من أخر ما أنزل الله على رسوله آية الربا فتوفي رسول الله ولم يفسرها ، وإنّكم تزعمون أنّا نعلم أبواب الربا ، ولأن أكون أعلمها أحب إليّ من أن يكون لي مثل مصر وكورها» قال ابن رشد : ولم يرد عمر بذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يفسر آية الربا ، وإنّما أراد والله أعلم أنّه لم يعمّ وجوه الربا بالنص عليها. وقال ابن العربي : بيّن رسول الله صلىاللهعليهوسلم معنى الربا في ستة وخمسين حديثا.
والوجه عندي أن ليس مراد عمر أنّ لفظ الربا مجمل لأنّه قابله بالبيان وبالتفسير ، بل أراد أنّ تحقيق حكمه في صور البيوع الكثيرة خفي لم يعمّه النبي صلىاللهعليهوسلم بالتنصيص ؛ لأنّ المتقدمين لا يتوخّون في عباراتهم ما يساوي المعاني الاصطلاحية ، فهؤلاء الحنفية سمّوا المخصّصات بيان تغيير. وذكر ابن العربي في العواصم أنّ أهل الحديث يتوسّعون في معنى البيان. وفي تفسير الفخر عن الشافعي أنّ قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من