الإثبات ثبوت دخولك كلّ دار ، ولذلك كان الرفع والنصب للفظ كل سواء في المعنى في قول أبي النّجم :
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع |
كما قال سيبويه : إنّه لو نصب لكان أولى ؛ لأنّ النصب لا يفسد معنى ولا يخلّ بميزان. ولا تخرج (كل) عن إفادة العموم إلّا إذا استعملها المتكلم في خبر يريد به إبطال خبر وقعت فيه (كل) صريحا أو تقديرا ، كأن يقول أحد : كل الفقهاء يحرّم أكل لحوم السباع ، فتقول له : ما كل العلماء يحرّم لحوم السباع ، فأنت تريد إبطال الكلية فيبقى البعض ، وكذلك في ردّ الاعتقادات المخطئة كقول المثل : «ما كل بيضاء شحمة» ، فإنّه لردّ اعتقاد ذلك كما قال زفر بن الحارث الكلابي :
وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة
وقد نظر الشيخ عبد القادر الجرجاني إلى هذا الاستعمال الأخير فطرده في استعمال (كل) إذا وقعت في حيّز النفي بعد أداة النفي وأطال في بيان ذلك في كتابه دلائل الإعجاز ، وزعم أنّ رجز أبي النجم يتغيّر معناه باختلاف رفع (كل) ونصبه في قوله «كلّه لم أصنع». وقد تعقّبه العلامة التفتازاني تعقّبا مجملا بأنّ ما قاله أغلبي ، وأنّه قد تخلّف في مواضع. وقفّيت أنا على أثر التفتازاني فبيّنت في تعليقي «الإيجاز على دلائل الإعجاز» أنّ الغالب هو العكس وحاصله ما ذكرت هنا.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧))
جملة معترضة لمقابلة الذم بالمدح ، وقد تقدم تفسير نظيرتها قريبا. والمقصود التعريض بأنّ الصفات المقابلة لهاته الصفات صفت غير المؤمنين. والمناسبة تزداد ظهورا لقوله : (وَآتُوا الزَّكاةَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩))
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) إفضاء إلى التشريع بعد