سبب نزولها فهو من تجويز الاجتهاد للنبي صلىاللهعليهوسلم في الأحكام إذ قبل من ثقيف النزول على اقتضاء مالهم من الربا عند أهل مكة ، وذلك قبل أن ينزل قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ؛ فيحتمل أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم رأى الصلح مع ثقيف على دخولهم في الإسلام مع تمكينهم مما لهم قبل قريش من أموال الربا الثابتة في ذممهم قبل التحريم مصلحة ، إذ الشأن أنّ ما سبق التشريع لا ينقض كتقرير أنكحة المشركين ، فلم يقرّه الله على ذلك وأمر بالانكفاف عن قبض مال الربا بعد التحريم ولو كان العقد قبل التحريم ، ولذلك جعلهم على خيرة من أمرهم في الصلح الذي عقدوه.
ودلت الآية على أنّ مجرد العقد الفاسد لا يوجب فوات التدارك إلّا بعد القبض ، ولذلك جاء قبلها «فله ما سلف» وجاء هنا (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ـ إلى قوله ـ (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ).
وهذه الآية أصل عظيم في البيوع الفاسدة تقتضي نقضها ، وانتقال الضمان بالقبض ، والفوات بانتقال الملك ، والرجوع بها إلى رءوس الأموال أو إلى القيم إن فاتت ، لأنّ القيمة بدل من رأس المال.
ورءوس الأموال أصولها ، فهو من إطلاق الرأس على الأصل ، وفي الحديث «رأس الأمر الإسلام».
ومعنى (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) لا تأخذون مال الغير ولا يأخذ غيركم أموالكم.
وقرأ الجمهور (فَأْذَنُوا) ـ بهمزة وصل وفتح الذال ـ أمرا من أذن ، وقرأه حمزة وأبو بكر وخلف فآذنوا بهمزة قطع بعدها ألف وبذال مكسورة ـ أمرا من آذن بكذا إذا أعلم به أي فآذنوا أنفسكم ومن حولكم.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠))
عطف على قوله : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) لأنّ ظاهر الجواب أنّهم يسترجعونها معجّلة ، إذ العقود قد فسخت. فعطف عليه حالة أخرى ، والمعطوف عليه حالة مقدّرة مفهومة لأنّ الجزاء يدل على التسبّب ، والأصل حصول المشروط عند الشرط. والمعنى وإن حصل ذو عسرة ، أي غريم معسر.