فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).
هذا معطوف على قوله : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) [البقرة : ٢٨٢] الآية ، فجميع ما تقدّم حكم في الحضر والمكنة ، فإن كانوا على سفر ولم يتمكّنوا من الكتابة لعدم وجود من يكتب ويشهد فقد شرع لهم حكم آخر وهو الرهن ، وهذا آخر الأقسام المتوقّعة في صور المعاملة ، وهي حالة السفر غالبا ، ويلحق بها ما يماثل السفر في هاته الحالة.
والرهان جمع رهن ـ ويجمع أيضا على رهن بضم الراء وضم الهاء ـ وقد قرأه جمهور العشرة : بكسر الراء وفتح الهاء ، وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو : بضم الراء وضم الهاء ، وجمعه باعتبار تعدّد المخاطبين بهذا الحكم.
والرهن هنا اسم للشيء المرهون تسمية للمفعول بالمصدر كالخلق. ومعنى الرهن أن يجعل شيء من متاع المدين بيد الدائن توثقة له في دينه. وأصل الرهن في كلام العرب يدل على الحبس قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨] فالمرهون محبوس بيد الدائن إلى أن يستوفي دينه قال زهير :
وفارقتك برهن لا فكاك له |
|
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا |
والرهن شائع عند العرب : فقد كانوا يرهنون في الحمالات والديات إلى أن يقع دفعها ، فربّما رهنوا أبناءهم ، وربّما رهنوا واحدا من صناديدهم ، قال الأعشى يذكر أنّ كسرى رام أخذ رهائن من أبنائهم :
آليت لا أعطيه من أبنائنا |
|
رهنا فنفسدهم كمن قد أفسدا |
وقال عبد الله بن همّام السلولي (١) :
فلمّا خشيت أظافيرهم |
|
نجوت وأرهنتهم مالكا |
ومن حديث كعب بن الأشرف أنّه قال لعبد الرحمن بن عوف : ارهنوني أبناءكم.
ومعنى فرهان : أي فرهان تعوّض بها الكتابة. ووصفها بمقبوضة إمّا لمجرّد الكشف ،
__________________
(١) في باب الأدب من ديوان الحماسة.