جملة على جملة ، والمعنى : إنكم عبيده ، وهو محاسبكم ، ونظيرها في المعنى قوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٣ ، ١٤] ولا يخالف بينهما إلّا أسلوب نظم الكلام.
ومعنى الاستدلال هنا : إنّ الناس قد علموا أنّ الله ربّ السموات والأرض ، وخالق الخلق ، فإذا كان في السموات والأرض لله ، مخلوقا له ، لزم أن يكون جميع ذلك معلوما له لأنّه مكوّن ضمائرهم وخواطرهم ، وعموم علمه تعالى بأحوال مخلوقاته من تمام معنى الخالقية والربوبية ؛ لأنّه لو خفي عليه شيء لكان العبد في حالة اختفاء حاله عن علم الله مستقلا عن خالقه. ومالكية الله تعالى أتمّ أنواع الملك على الحقيقة كسائر الصفات الثابتة لله تعالى ، فهي الصفات على الحقيقة من الوجود الواجب إلى ما اقتضاه وجوب الوجود من صفات الكمال. فقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تمهيد لقوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) الآية.
وعطف قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) بالواو دون الفاء للدلالة على أنّ الحكم الذي تضمّنه مقصود بالذات ، وأنّ ما قبله كالتمهيد له. ويجوز أن يكون قوله : (وَإِنْ تُبْدُوا) عطفا على قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٨٣] ويكون قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) اعتراضا بينهما.
وإبداء ما في النفس : إظهاره ، وهو إعلانه بالقول ، فيما سبيله القول ، وبالعمل فيما يترتّب عليه عمل ؛ وإخفاؤه بخلاف ذلك ، وعطف (أَوْ تُخْفُوهُ) للترقّي في الحساب عليه ، فقد جاء على مقتضى الظاهر في عطف الأقوى على الأضعف ، وفي الغرض المسوق له الكلام في سياق الإثبات. وما في النفي يعمّ الخير والشر.
والمحاسبة مشتقّة من الحسبان وهو العدّ ، فمعنى يحاسبكم في أصل اللغة : يعدّه عليكم ، إلّا أنّه شاع إطلاقه على لازم المعنى وهو المؤاخذة والمجازاة كما حكى الله تعالى : الشعراء : ١١٣] وشاع هذا في اصطلاح الشرع ، ويوضّحه هنا قوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ).
وقد أجمل الله تعالى هنا الأحوال المغفورة وغير المغفورة : ليكون المؤمنون بين الخوف والرجاء ، فلا يقصّروا في اتّباع الخيرات النفيسة والعملية ، إلّا أنّه أثبت غفرانا وتعذيبا بوجه الإجمال على كلّ ممّا نبديه وما نخفيه. وللعلماء في معنى هذه الآية ، والجمع بينها وبين قولهصلىاللهعليهوسلم : «من همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة». وقوله : «إن الله