وقوله : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) إلخ فصلّ بين الجملتين المتعاطفتين ، بإعادة النداء ، مع أنّه مستغنى عنه : لأنّ مخاطبة المنادى مغنية عن إعادة النداء لكن قصد من إعادته إظهار التذلّل. والحمل مجاز في التكليف بأمر شديد يثقل على النفس ، وهو مناسب لاستعارة الإصر.
وأصل معنى الإصر ما يؤصر به أي يربط ، وتعقد به الأشياء ، ويقال له : الإصار ـ بكسر الهمزة ـ ثم استعمل مجازا في العهد والميثاق المؤكّد فيما يصعب الوفاء به ، ومنه قوله في آل عمران [٨١] : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) وأطلق أيضا على ما يثقل عمله ، والامتثال فيه ، وبذلك فسّره الزجاج والزمخشري هنا وفي قوله ، في سورة الأعراف [١٥٧] : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهو المقصود هنا ، ومن ثم حسنت استعارة الحمل للتكليف ، لأنّ الحمل يناسب الثقل فيكون قوله : (وَلا تَحْمِلْ) ترشيحا مستعارا لملائم المشبّه به وعن ابن عباس : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) عهدا لا نفي به ، ونعذّب بتركه ونقضه».
وقوله : (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) صفة ل (إِصْراً) أي عهدا من الدين ، كالعهد الذي كلّف به من قبلنا في المشقة ، مثل ما كلّف به بعض الأمم الماضية من الأحكام الشاقّة مثل أمر بني إسرائيل بتيه أربعين سنة ، وبصفات في البقرة التي أمروا بذبحها نادرة ونحو ذلك ، وكل ذلك تأديب لهم على مخالفات ، وعلى قلة اهتبال بأوامر الله ورسوله إليهم ، قال تعالى في صفة محمد صلىاللهعليهوسلم : «ويضع عنهم إصرهم».
وقوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) أي ما لا نستطيع حمله من العقوبات. والتضعيف فيه للتعدية. وقيل : هذا دعاء بمعافاتهم من التكاليف الشديدة ، والذي قبله دعاء بمعافاتهم من العقوبات التي عوقبت بها الأمم. والطاقة في الأصل الإطاقة خفّفت بحذف الهمزة كما قالوا : جابة وإجابة وطاعة وإطاعة.
والقول في هذين الدعاءين كالقول في قوله : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا).
وقوله : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا) لم يؤت مع هذه الدعوات بقوله ربّنا ، إمّا لأنّه تكرّر ثلاث مرات ، والعرب تكره تكرير اللفظ أكثر من ثلاث مرات إلّا في مقام التهويل ، وإمّا لأنّ تلك الدعوات المقترنة بقوله : (رَبَّنا) فروع لهذه الدعوات الثلاث ، فإذا استجيب تلك حصلت إجابة هذه بالأولى ؛ فإنّ العفو أصل لعدم المؤاخذة ، والمغفرة أصل لرفع المشقة والرحمة أصل لعدم العقوبة الدنيوية والأخروية ، فلمّا كان تعميما بعد تخصيص ، كان كأنّه