ألوهية غيره فكان ما يذكر من الأوصاف المقتضية للألوهية هو في معنى قصرها عليه تعالى ، وفي الجمع بين وصفي (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) ما تقدم ذكره في سورة الفاتحة على أن في ذكر صفة الرحمن إغاظة للمشركين فإنهم أبوا وصف الله بالرحمن كما حكى الله عنهم بقوله : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠].
واعلم أن قوله : (إِلَّا هُوَ) استثناء من الإله المنفي أي إن جنس الإله منفي إلّا هذا الفرد ، وخبر (لا) في مثل هاته المواضع يكثر حذفه لأن لا التبرئة مفيدة لنفي الجنس فالفائدة حاصلة منها ولا تحتاج للخبر إلّا إذا أريد تقييد النفي بحالة نحو لا رجل في الدار غير أنهم لما كرهوا بقاء صورة اسم وحرف بلا خبر ذكروا مع اسم لا خبرا ألا ترى أنهم إذا وجدوا شيئا يسد مسد الخبر في الصورة حذفوا الخبر مع لا نحو الاستثناء في لا إله إلّا الله ، ونحو التكرير في قوله لا نسب اليوم ولا خلة. ولأبي حيان هنا تكلفات.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
موقع هاته الآية عقب سابقتها موقع الحجة من الدعوى ، ذلك أن الله تعالى أعلن أن الإله إله واحد لا إله غيره وهي قضية من شأنها أن تتلقى بالإنكار من كثير من الناس فناسب إقامة الحجة لمن لا يقتنع فجاء بهذه الدلائل الواضحة التي لا يسع الناظر إلّا التسليم إليها.
فإن هنا لمجرد الاهتمام بالخبر للفت الأنظار إليه ، ويحتمل أنهم نزلوا منزلة من ينكر أن يكون في ذلك آيات لقوم يعقلون) لأنهم لم يجروا على ما تدل عليه تلك الآيات.
وليست (إِنَ) هنا بمؤذنة بتعليل للجملة التي قبلها لأن شرط ذلك أن يكون مضمون الجملة التي بعدها صالحا لتعليل مضمون التي قبلها بحيث يكون الموقع لفاء العطف فحينئذ يغني وقوع (إن) عن الإتيان بفاء العطف كما ذكره الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» وقد بسطنا فيه عند قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١].
والمقصود من هاته الآية إثبات دلائل وجود الله تعالى ووحدانيته ولذلك ذكرت إثر ذكر الوحدانية لأنها إذا أثبتت بها الوحدانية ثبت الوجود بالضرورة. فالآية صالحة للرد