الوصف على لفظ قوم يومئ إلى أن ذلك الوصف سجية فيهم ، ومن مكملات قوميتهم ، فإن للقبائل والأمم خصائص تميزها وتشتهر بها كما قال تعالى : (وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة : ٥٦] ، وقد تكرر هذا في مواضع كثيرة من القرآن ومن كلام العرب ، فالمعنى إن في ذلك آيات للذين سجيتهم العقل ، وهو تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بآيات ذلك ليست عقولهم براسخة ولا هي ملكات لهم وقد تكرر هذا في سورة يونس.
(ومِنَ النّاسِ مَن َتَّخِذُ مِن دونِ اللّهِ اَندادًا ُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللّهِ والَّذنَ ءامَنوا اَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ ولَو َرَ الَّذنَ ظَلَموا اِذ َرَونَ العَذابَ اَنَّ القُوَّةَ لِلّهِ جَمعًا واَنَّ اللّهَ شَددُ العَذاب(١٦٥)).
(ومِنَ النّاسِ مَن َتَّخِذُ مِن دونِ اللّهِ اَندادًا ُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللّهِ والَّذنَ ءامَنوا اَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ).
عطف على (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ١٦٤] إلخ لأن تلك الجملة تضمنت أن قوما يعقلون استدلوا بخلق السموات والأرض وما عطف عليه على أن الله واحد فوحدوه ، فناسب أن يعطف عليه شأن الذين لم يهتدوا لذلك فاتخذوا لأنفسهم شركاء مع قيام تلك الدلائل الواضحة ، فهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله هم المتحدث عنهم آنفا بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) [البقرة : ١٦١] الآيات.
وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ) خبر مقدم وقد ذكرنا وجه الإخبار به وفائدة تقديمه عند قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨] وعطفه على ذكر دلائل الوحدانية وتقديم الخبر وكون الخبر (مِنَ النَّاسِ) مؤذن بأنه تعجب من شأنهم.
و (مِنَ) في قوله : (مَنْ يَتَّخِذُ) ما صدقها فريق لا فرد بدليل عود الضمير في قوله : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ).
والمراد بالأنداد الأمثال في الألوهية والعبادة ، وقد مضى الكلام على النّد بكسر النون عند قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٢].
وقوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) معناه مع الله لأن كلمة دون تؤذن بالحيلولة لأنها بمعنى وراء فإذا قالوا اتخذه دون الله فالمعنى أنه أفرده وأعرض عن الله وإذا قالوا اتخذه من دون الله فالمعنى أنه جعله بعض حائل عن الله أي أشركه مع الله لأن الإشراك يستلزم الإعراض عن