الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣))
جملة (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله : (الْكاذِبِينَ) [آل عمران : ٦١] لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبد الله ، وزعموا أنه غلب فإثبات أنه عبد هو الحق.
واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى.
والضمير في قوله لهو القصص ضمير فصل ، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادها ضمير الفصل ؛ لأنّ اللام وحدها مفيدة تقوية الخبر وضمير الفصل يفيد القصر أي هذا القصص لا ما تقصّه كتب النصارى وعقائدهم.
والقصص ـ بفتح القاف والصاد ـ اسم لما يقص ، يقال : قصّ الخبر قصّا إذا أخبر به ، والقصّ أخص من الإخبار ؛ فإنّ القص إخبار بخبر فيه طول وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يخبر بها قصة ـ بكسر القاف ـ أي مقصوصة أي مما يقصها القصّاص ، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قصّاص ـ بفتح القاف ـ. فالقصص اسم لما يقص : قال تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وقيل : هو اسم مصدر وليس هو مصدرا ، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين ، فالقصّ بالإدغام مصدر ، والقصص بالفكّ اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص.
وقوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) تأكيد لحقيّة هذا القصص. ودخلت من الزائدة بعد حرف نفي تنصيصا على قصد النفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد ، ونفي الشريك بالصراحة ، ودلالة المطابقة ، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله ، فيوهم أنه قد يكون إلا هان أو أكثر في شقّ آخر ، وإن كان هذا يؤول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام.
وقوله : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فيه ما في قوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) فأفاد تقوية الخبر عن الله تعالى بالعزّة والحكم ، والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى ، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذلّة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه ، وهو أيضا إبطال لإلهيته على اعتقادنا ؛ لأنه كان محتاجا لإنقاذه من أيدي الظالمين.
وجملة (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) عطف على قوله : (فَقُلْ تَعالَوْا) [آل عمران :