تعالى بقوله : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الأنعام : ٨٠] وأخلص القول والعمل لله تعالى فقال : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) [الأنعام : ٨١] وتطلّب الهدى بقوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) [البقرة : ١٢٨] ـ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا) [البقرة : ١٢٨] وكسر الأصنام بيده (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) [الأنبياء : ٥٨] ، وأظهر الانقطاع لله بقوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) [الشعراء : ٧٨ ـ ٨١] ، وتصدّى للاحتجاج على الوحدانية وصفات الله (قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) [البقرة : ٢٥٨] ـ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [الأنعام : ٨٣] ـ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) [الأنعام : ٨٠].
وعطف قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) لييأس مشركو العرب من أن يكونوا على ملّة إبراهيم ، وحتى لا يتوهم متوهم أنّ القصر المستفاد من قوله : (ولكن حنيفا مسلما) قصر إضافي بالنسبة لليهودية والنصرانية ، حيث كان العرب يزعمون أنهم على ملّة إبراهيم لكنهم مشركون.
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨))
استئناف ناشئ عن نفي اليهودية والنصرانية عن إبراهيم ، فليس اليهود ولا النصارى ولا المشركون بأولى الناس به ، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون : نحن أولى بدينكم.
و (أولى) اسم تفضيل أي أشد وليا أي قربا مشتق من ولي إذا صار وليّا ، وعدّي بالباء لتضمّنه معنى الاتصال أي أخصّ الناس بإبراهيم وأقربهم منه. ومن المفسّرين من جعل أولى هنا بمعنى أجدر فيضطرّ إلى تقدير مضاف قبل قوله : (بِإِبْراهِيمَ) أي بدين إبراهيم.
والذين اتبعوا إبراهيم هم الذين اتبعوه في حياته : مثل لوط وإسماعيل وإسحاق ، ولا اعتداد بمحاولة الذين حاولوا اتباع الحنيفية ولم يهتدوا إليها ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، وأمية ابن أبي الصّلت ، وأبيه أبي الصّلت ، وأبي قيس صرمة بن أبي أنس من بني النجّار ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كاد أمية بن أبي الصّلت ، أن يسلم» وهو لم يدرك الإسلام فالمعنى كاد أن يكون حنيفا ، وفي «صحيح البخاري» : أنّ زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل