إنّهم قد تخلقوا بأصول شرعه ، وعرفوا قدره ، وكانوا له لسان صدق دائبا بذكره ، فهؤلاء أحقّ به ممّن انتسبوا إليه لكنهم نقضوا أصول شرعه وهم المشركون ، ومن الذين انتسبوا إليه وأنسوا ذكر شرعه ، وهم اليهود والنصارى ، ومن هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، لما سأل عن صوم اليهود ، يوم عاشوراء فقالوا : هو يوم نجّى الله فيه موسى فقال : «نحن أحقّ بموسى منهم» وصامه وأمر المسلمين بصومه.
وقوله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) تذييل أي هؤلاء هم أولى الناس بإبراهيم ، والله ولي إبراهيم ، والذين اتبعوه ، وهذا النبي ، والذين آمنوا ؛ لأنّ التذييل يشمل المذيّل قطعا ، ثم يشمل غيره تكميلا كالعام على سبب خاص. وفي قوله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) بعد قوله: (كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا) [آل عمران : ٦٧] تعريض بأنّ الذين لم يكن إبراهيم منهم ليسوا بمؤمنين.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩))
استئناف مناسبته قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ـ إلى قوله ـ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٦٤ ـ ٦٨] إلخ. والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود خاصة ، ولذلك عبّر عنهم بطائفة من أهل الكتاب لئلّا يتوهم أنهم أهل الكتاب الذين كانت المحاجة معهم في الآيات السابقة.
والمراد بالطائفة جماعة منهم من قريظة ، والنضير ، وقينقاع ، دعوا عمّار بن ياسر ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، إلى الرجوع إلى الشرك.
وجملة لو يضلونكم مبينة لمضمون جملة ودّت ، على طريقة الإجمال والتفصيل. فلو شرطية مستعملة في التمنّي مجازا لأنّ التمنّي من لوازم الشرط الامتناعي. وجواب الشرط محذوف يدل عليه فعل ودّت تقديره : لو يضلونكم لحصل مودودهم ، والتحقيق أنّ التمنّي عارض من عوارض لو الامتناعية في بعض المقامات. وليس هو معنى أصليا من معاني لو. وقد تقدم نظير هذا في قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) في سورة البقرة [٩٦].
وقوله : (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أي ودّوا إضلالكم وهو يحتمل أنهم ودّوا أن يجعلوهم على غير هدى في نظر أهل الكتاب : أي يذبذبوهم ، ويحتمل أنّ المراد الإضلال في نفس