وقوله : (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يحتمل أنه من لفظ الحكاية بأن يكون اليهود قالوا آمنوا بالذي أنزل على أتباع محمد فحوّله الله تعالى فقال على الذين آمنوا تنويها بصدق إيمانهم. ويحتمل أنه من المحكيّ بأن يكون اليهود أطلقوا هذه الصلة على أتباع محمد إذ صارت علما بالغلبة عليهم. ووجه النهار أوله وتقدم آنفا عند قوله تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [آل عمران : ٤٥].
وقوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) من كلام الطائفة من أهل الكتاب قصدوا به الاحتراس ألا يظنوا من قولهم آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار أنه إيمان حقّ ، فالمعنى ولا تؤمنوا إيمانا حقا إلّا لمن تبع دينكم ، فأما محمد فلا تؤمنوا به لأنه لم يتبع دينكم فهذا تعليل للنهي.
وهذا اعتذار عن إلزامهم بأنّ كتبهم بشرت بمجيء رسول مقفّ فتوهموا أنه لا يجيء إلّا بشريعة التوراة ، وضلوا عن عدم الفائدة في مجيئه بما في التوراة لأنه من تحصيل الحاصل ، فينزّه فعل الله عنه ، فالرسول الذي يجيء بعد موسى لا يكون إلّا ناسخا لبعض شريعة التوراة فجمعهم بين مقالة : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) وبين مقالة : (وَلا تُؤْمِنُوا) مثل (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [الأنفال : ١٧].
وقوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) كلام معترض ، أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوله لهم. كناية عن استبعاد حصول اهتدائهم ، وأنّ الله لم يهدهم ، لأنّ هدى غيره أي محاولته هدى الناس لا يحصل منه المطلوب ، إذا لم يقدّره الله. فالقصر حقيقي : لأنّ ما لم يقدّره الله فهو صورة الهدى وليس بهدى وهو مقابل قولهم : آمنوا بالذي أنزل ـ ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ، إذ أرادوا صورة الإيمان ، وما هو بإيمان ، وفي هذا الجواب إظهار الاستغناء عن متابعتهم.
(أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ).
أشكل موقع هذه الآية بعد سابقتها وصف نظمها ، ومصرف معناها : إلى أي فريق.
وقال القرطبي : إنها أشكل آية في هذه السورة. وذكر ابن عطية وجوها ثمانية. ترجع إلى احتمالين أصليين.
الاحتمال الأول أنها تكلمة لمحاورة الطائفة من أهل الكتاب بعضهم بعضا ، وأن جملة (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) معترضة في أثناء ذلك الحوار ، وعلى هذا الاحتمال تأتي