الكلام في الكناية عن الغضب ، وشاع استعمال النظر في الإقبال والعناية ، ونفي النظر في الغضب فالنظر المنفي هنا نظر خاص. وهاتان الكنايتان يجوز معهما إرادة المعنى الحقيقي.
وقوله : (وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي لا يطهرهم من الذنوب ولا يقلعون عن آثامهم ، لأنّ من بلغ من رقّة الديانة إلى حدّ أن يشتري بعهد الله وأيمانه ثمنا قليلا ، فقد بلغ الغاية القصوى في الجرأة على الله ، فكيف يرجى له صلاح بعد ذلك ، ويحتمل أن يكون المعنى ولا ينميهم أي لا يكثر حظوظهم في الخيرات.
وفي مجيء هذا الوعيد ، عقب الصلة ، وهي يشترون بعهد الله الآية ، إيذان بأنّ من شابههم في هذه الصفات فهو لاحق بهم ، حتى ظنّ بعض السلف أنّ هذه الآية نزلت فيمن حلف يمينا باطلة ، وكلّ يظنّ أنها نزلت فيما يعرفه من قصة يمين فاجرة ، ففي «البخاري» ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ) الآية فدخل الأشعث بن قيس وقال : «ما يحدثكم أبو عبد الرحمن» قلنا : كذا وكذا. قال : «فيّ أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي» فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بينتك أو يمينه ـ قلت : إذن يحلف ـ فقال رسول الله : من حلف على يمين صبر الحديث.
وفي «البخاري» ، عن عبد الله بن أبي أوفى : أنّ رجلا أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) الآية.
وفيه عن ابن عباس أنه قرأ هاته الآية في قصّة وجبت فيها يمين لردّ دعوى :
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨))
أي من اليهود طائفة تخيل للمسلمين أشياء أنها مما جاء في التوراة ، وليست كذلك ، إما في الاعتذار عن بعض أفعالهم الذميمة ، كقولهم : ليس علينا في الأميين سبيل ، وإما للتخليط على المسلمين حتى يشككوهم فيما يخالف ذلك مما ذكره القرآن ، أو لإدخال