وفي «الكشاف» قيل نزلت لأنّ رجلا قال : يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك. قال : «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيئكم واعرفوا الحق لأهله». قلت : أخرجه عبد بن حميد عن الحسن ، فعلى تقدير كونه حديثا مقبولا فمناسبة ذكر هذه الآية أنها قص منها الردّ على جميع هذه المعتقدات. ووقع في أسباب النزول للواحدي من رواية الكلبي ، عن ابن عباس : أنّ أبا رافع اليهودي والسيد من نصارى نجران قالا يا محمد : «أتريد أن نعبدك» فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «معاذ الله أن يعبد غير الله» ونزلت هذه الآية.
وقوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ) نفي لاستحقاق أحد لذلك القول واللام فيه للاستحقاق.
وأصل هذا التركيب في الكلام ما كان فلان فاعلا كذا ، فلما أريدت المبالغة في النفي عدل عن نفي الفعل إلى نفي المصدر الدال على الجنس ، وجعل نفي الجنس عن الشخص بواسطة نفي الاستحقاق إذ لا طريقة لحمل اسم ذات على اسم ذات إلّا بواسطة بعض الحروف ، فصار التركيب : ما كان له أن يفعل ، ويقال أيضا : ليس له أن يفعل ، ومثل ذلك في الإثبات كقوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه : ١١٨].
فمعنى الآية : ليس قول (كُونُوا عِباداً لِي) حقا لبشر أيّ بشر كان. وهذه اللام هي أصل لام الجحود التي في نحو (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] ، فتراكيب لام الجحود كلّها من قبيل قلب مثل هذا التركيب لقصد المبالغة في النفي ، بحيث ينفى أن يكون وجود المسند إليه مجعولا لأجل فعل كذا ، أي فهو بريء منه بأصل الخلقة ولذلك سميت جحودا.
والمنفي في ظاهر هذه الآية إيتاء الحكم والنبوءة ، ولكن قد علم أنّ مصبّ النفي هو المعطوف من قوله : (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي) أي ما كان له أن يقول كونوا عبادا لي إذا آتاه الله الكتاب إلخ.
والعباد جمع عبد كالعبيد ، وقال ابن عطية : «الذي استقريت في لفظ العباد أنه جمع عبد لا يقصد معه التحقير ، والعبيد يقصد منه ، ولذلك قال تعالى : «يا عبادي» وسمّت العرب طوائف من العرب سكنوا الحيرة ودخلوا تحت حكم كسرى بالعباد ، وقيل لأنهم تنصّروا فسموهم بالعباد ، بخلاف جمعه على عبيد كقولهم : هم عبيد العصا ، وقال حمزة بن المطلب هل أنتم إلّا عبيد لأبي ومنه قول الله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ؛ لأنّه مكان تشفيق وإعلام بقلة مقدرتهم وأنه تعالى ليس بظلّام لهم مع ذلك ، ولما