الهداية الناشئة عن عناية الله بالعبد ولطفه به ، وإسنادها إلى الله ظاهر ؛ وإما الهداية الناشئة عن إعمال الأدلة والاستنتاج منها ، وإسنادها إلى الله لأنّه موجد الأسباب ومسبّباتها. ويجوز أن يكون الاستفهام مستعملا في الاستبعاد ، فإنهم آمنوا وعلموا ما في كتب الله ، ثمّ كفروا بعد ذلك بأنبيائهم ، إذ عبد اليهود الأصنام غير مرة ، وعبد النصارى المسيح ، وقد شهدوا أنّ محمدا صادق لقيام دلائل الصدق ، ثم كابروا ، وشككوا الناس. وجاءتهم الآيات فلم يتعظوا ، فلا مطمع في هديهم بعد هذه الأحوال ، وإنما تسري الهداية لمن أنصف وتهيّأ لإدراك الآيات دون القوم الذين ظلموا أنفسهم. وقيل نزلت في اليهود خاصّة. وقيل نزلت في جماعة من العرب أسلموا ثم كفروا ولحقوا بقريش ثم ندموا فراسلوا قومهم من المسلمين يسألونهم هل من توبة فنزلت ، ومنهم الحارث بن سويد ، وأبو عامر الراهب ، وطعيمة بن أبيرق.
وقوله : (وَشَهِدُوا) عطف على (إِيمانِهِمْ) أي وشهادتهم ، لأنّ الاسم الشبيه بالفعل في الاشتقاق يحسن عطفه على الفعل وعطف الفعل عليه.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩))
الإشارة للتنبيه على أنهم أحرياء بما يرد بعد اسم الإشارة من الحكم عليهم. وتقدم معنى (لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ ـ إلى قوله ـ أَجْمَعِينَ) في سورة البقرة [١٦١]. وتقدم أيضا معنى (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) في سورة البقرة [١٦٠] ، ومعنى (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الكناية عن المغفرة لهم. قيل نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري من بني عمرو بن عوف الذي ارتدّ ولحق بقريش وقيل بنصارى الشام ، ثم كتب إلى قومه ليسألهم هل من توبة ، فسألوا رسول الله فنزلت هذه الآية فأسلم ورجع إلى المدينة وقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) علة لكلام محذوف تقديره الله يغفر لهم لأنه غفور رحيم.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
قال قتادة ، وعطاء ، والحسن : نزلت هذه الآية في اليهود ، وعليه فالموصول بمعنى لام العهد ، فاليهود بعد أن آمنوا بموسى كفروا بعيسى وازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم.