أيضا أن يراد تشويه صنعه بأنّه كصنيع من لا يؤمن بالله ورسله وفضيلة حرمه. وقال قوم : أراد ومن كفر بفرض الحجّ ، وقال قوم بظاهره : إنّ ترك الحجّ مع القدرة عليه كفر. ونسب للحسن. ولم يلتزم جماعة من المفسّرين أنّ يكون العطف للمقابلة وجعلوها جملة مستقلّة. كالتذييل ، بيّن بها عدم اكتراث الله بمن كفر به.
وعندي أنّه يجوز أن يكون المراد بمن كفر من كفر بالإسلام ، وذلك تعريض بالمشركين من أهل مكّة بأنّه لا اعتداد بحجّهم عند الله وإنّما يريد الله أن يحجّ المؤمنون به والموحّدون له.
وفي قوله : (غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) رمز إلى نزعه ولاية الحرم من أيديهم : لأنّه لمّا فرض الحجّ وهم يصدّون عنه ، وأعلمنا أنّه غني عن النّاس ، فهو لا يعجزه من يصدّ النّاس عن مراده تعالى.
[٩٨ ، ٩٩](قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩))
ابتداء كرم رجع به إلى مجادلة أهل الكتاب وموعظتهم فهو مرتبط بقوله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) الآية.
أمر الرّسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بالصدع بالإنكار على أهل الكتاب. بعد أن مهّد بين يدي ذلك دلائل صحّة هذا الدّين ولذلك افتتح بفعل (قُلْ) اهتماما بالمقول ، وافتتح المقول بنداء أهل الكتاب تسجيلا عليهم. والمراد بآيات الله : إمّا القرآن ، وإمّا دلائل صدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم. والكفر على هذين الوجهين بمعناه الشّرعي واضح ، وإمّا آيات فضيلة المسجد الحرام على غيره ، والكفر على هذا الوجه بمعناه اللّغوي والاستفهام إنكار.
وجملة (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) في موضع الحال لأنّ أهل الكتاب يوقنون بعموم علم الله تعالى ، وأنّه لا يخفى عليه شيء فجحدهم لآياته مع ذلك اليقين أشدّ إنكارا ، ولذلك لم يصحّ جعل (وَاللهُ شَهِيدٌ) مجرّد خبر إلّا إذا نزّلوا منزلة الجاهل.
وقوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) توبيخ ثان وإنكار على مجادلتهم لإضلالهم