ضعيف ، والمجمل والمؤوّل هما المتشابه ، لاشتراكهما في خفاء الدلالة وإن كان أحدهما : أي المؤول دالا على معنى مرجوح ، يقابله معنى راجح ، والمجمل دالا على معنى مرجوع يقابله مرجوع آخر ، ونسبت هذه الطريقة إلى الشافعية.
قال الشاطبي : فالتشابه : حقيقي ، وإضافي ، فالحقيقي : ما لا سبيل إلى فهم معناه ، وهو المراد من الآية ، والإضافي : ما اشتبه معناه ، لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر. فإذا تقصّى المجتهد أدلّة الشريعة وجد فيها ما يبيّن معناه ، والتشابه بالمعنى الحقيقي قليل جدّا في الشريعة وبالمعنى الإضافي كثير.
وقد دل هذه الآية على أنّ من القرآن محكما ومتشابها ، ودلت آيات أخر على أنّ القرآن كلّه محكم ، قال تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود : ١] وقال : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) [يونس : ١] والمراد أنّه أحكم وأتقن في بلاغته ، كما دلت آيات على أنّ القرآن كلّه متشابه ، قال تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً)[الزمر : ٢٣] والمعنى أنّه تشابه في الحسن والبلاغة والحقيّة ، وهو معنى : «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» فلا تعارض بين هذه الآيات : لاختلاف المراد بالإحكام والتشابه في مواضعها ، بحسب ما تقتضيه المقامات.
وسبب وقوع المتشابهات في القرآن : هو كونه دعوة ، وموعظة ، وتعليما ، وتشريعا باقيا ، ومعجزة ، وخوطب به قوم لم يسبق لهم عهد بالتعليم والتشريع ، فجاء على أسلوب مناسب لجمع هذه الأمور ، بحسب حال المخاطبين الذين لم يعتادوا الأساليب التدريسية ، أو الأمالي العلمية ، وإنّما كانت هجّيراهم الخطابة والمقاولة ، فأسلوب المواعظ والدعوة قريب من أسلوب الخطابة ، وهو لذلك لا يأتي على أساليب الكتب المؤلّفة للعلم ، أو القوانين الموضوعة للتشريع ، فأودعت العلوم المقصود منه في تضاعيف الموعظة والدعوة ، وكذلك أودع فيه التشريع ، فلا تجد أحكام نوع من المعاملات ، كالبيع ، متّصلا بعضها ببعض ، بل تلفيه موزّعا على حسب ما اقتضته مقامات الموعظة والدعوة ، ليخفّ تلقّيه على السامعين ، ويعتادوا علم ما لم يألفوه في أسلوب قد ألفوه فكانت متفرّقة يضمّ بعضها إلى بعض بالتدبّر. ثم إنّ إلقاء تلك الأحكام كان في زمان طويل ، يزيد على عشرين سنة ، ألقي إليهم فيها من الأحكام بمقدار ما دعت إليه حاجتهم ، وتحمّلته مقدرتهم ، على أنّ بعض تشريعه أصول لا تتغيّر ، وبعضه فروع تختلف باختلاف أحوالهم ، فلذلك تجد بعضها عاما ، أو مطلقا ، أو مجملا ، وبعضها خاصا ، أو مقيدا ، أو مبيّنا ، فإذا كان بعض