ما هم عليه من الدّين بعد نسخه وتحريفه.
وقوله : (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) حال أيضا توازن الحال في قوله قبلها (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) ومعناه وأنتم عالمون أنّها سبيل الله. وقد أحالهم في هذا الكلام على ما في ضمائرهم ممّا لا يعلمه إلّا الله لأنّ ذلك هو المقصود من وخز قلوبهم ، وانثنائهم باللائمة على أنفسهم ، ولذلك عقّبه بقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وهو وعيد وتهديد وتذكير لأنّهم يعلمون أنّ الله يعلم ما تخفي الصدور وهو بمعنى قوله في موعظتهم السابقة (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) إلّا أنّ هذا أغلظ في التّوبيخ لما فيه من إبطال اعتقاد غفلته سبحانه ، لأنّ حالهم كانت بمنزلة حال من يعتقد ذلك.
[١٠٠ ، ١٠١] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١))
إقبال على خطاب المؤمنين لتحذيرهم من كيد أهل الكتاب وسوء دعائهم المؤمنين ، وقد تفضّل الله على المؤمنين بأن خاطبهم بغير واسطة خلاف خطابه أهل الكتاب إذ قال : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) [آل عمران : ٩٨] ولم يقل : قل يا أيّها الّذين آمنوا.
والفريق : الجماعة من النّاس ، وأشار به هنا إلى فريق من اليهود وهم شاس بن قيس وأصحابه ، أو أراد شاسا وحده ، وجعله فريقا كما جعل أبا سفيان ناسا في قوله : «إنّ النّاس قد جمعوا لكم» وسياق الآية مؤذن بأنّها جرت على حادثة حدثت وأنّ لنزولها سببا. وسبب نزول هذه الآية : أنّ الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية قد تخاذلوا وتحاربوا حتّى تفانوا ، وكانت بينهم حروب وآخرها يوم بعاث الّتي انتهت قبل الهجرة بثلاث سنين ، فلمّا اجتمعوا على الإسلام زالت تلك الأحقاد من بينهم وأصبحوا عدّة للإسلام ، فساء ذلك يهود يثرب فقام شاس بن قيس اليهودي ، وهو شيخ قديم منهم ، فجلس إلى الأوس والخزرج ، أو أرسل إليهم من جلس إليهم يذكّرهم حروب بعاث ، فكادوا أن يقتتلوا ، ونادى كلّ فريق : يا للأوس! ويا للخزرج! وأخذوا السلاح ، فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم فدخل بينهم وقال : أتدعون الجاهلية ـ وأنا بين أظهركم؟! وفي رواية : أبدعوى الجاهلية؟! أي أتدعون بدعوى الجاهلية ـ وقرأ هذه الآية ، فما فرغ منها حتّى ألقوا السّلاح ، وعانق بعضهم بعضا ، قال جابر بن عبد الله : ما كان طالع أكره إلينا من طلوع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلمّا أصلح الله بيننا