لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦] ، وما تخلّل ذلك من أمثال ومواعظ وشواهد.
والباء في قوله (بِالْحَقِ) للملابسة ، وهي ملابسة الإخبار للمخبر عنه ، أي لما في نفس الأمر والواقع ، فهذه الآيات بيّنت عقائد أهل الكتاب وفصّلت أحوالهم في الدنيا والآخرة.
ومن الحقّ استحقاق كلا الفريقين لما عومل به عدلا من الله ، ولذا قال (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) أي لا يريد أن يظلم النّاس ولو شاء ذلك لفعله ، لكنّه وعد بأن لا يظلم أحدا فحقّ وعده ، وليس في الآية دليل للمعتزلة على استحالة إرادة الله تعالى الظلم إذ لا خلاف بيننا وبين المعتزلة في انتفاء وقوعه ، وإنّما الخلاف في جواز ذلك واستحالته.
وجيء بالمسند فعلا لإفادة تقوي الحكم ، وهو انتفاء إرادة ظلم العالمين عن الله تعالى ، وتنكير (ظلما) في سياق النّفي يدلّ على انتفاء جنس الظلم عن أن تتعلّق به إرادة الله ، فكلّ ما يعدّ ظلما في مجال العقول السليمة منتف أن يكون مراد الله تعالى.
وقوله (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٨٤] عطف على التذييل : لأنّه إذا كان له ما في السموات وما في الأرض فهو يريد صلاح حالهم ، ولا حاجة له بإضرارهم إلا للجزاء على أفعالهم. فلا يريد ظلمهم ، وإليه ترجع الأشياء كلّها فلا يفوته ثواب محسن ولا جزاء مسيء.
وتكرير اسم الجلالة ثلاث مرات في الجمل الثلاث التي بعد الأولى بدون إضمار للقصد إلى أن تكون كلّ جملة مستقلّة الدلالة بنفسها ، غير متوقّفة على غيرها ، حتّى تصلح لأن يتمثّل بها ، وتستحضرها النّفوس وتحفظها الأسماع.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠))
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
يتنزّل هذا منزلة التّعليل لأمرهم بالدّعوة إلى الخير ، وما بعده فإن قوله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) حال من ضمير كنتم ، فهو مؤذن بتعليل كونهم خير أمّة فيترتب عليه أنّ ما كان فيه خيريتهم يجدر أن يفرض عليهم ، إن لم يكن مفروضا من قبل ، وأن يؤكد عليهم