دلالته على المضي.
ومعنى (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ظهرت من فلتات أقوالهم كما قال تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فعبّر بالبغضاء عن دلائلها.
وجملة (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) حالية.
(والآيات) في قوله : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) بمعنى دلائل سوء نوايا هذه البطانة كما قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥] ولم يزل القرآن يربّي هذه الأمّة على إعمال الفكر ، والاستدلال ، وتعرّف المسبّبات من أسبابها في سائر أحوالها : في التّشريع ، والمعاملة لينشئها أمّة علم وفطنة.
ولكون هذه الآيات آيات فراسة وتوسّم ، قال : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ولم يقل : إن كنتم تعلمون أو تفقهون ، لأنّ العقل أعمّ من العلم والفقه.
وجملة (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) مستأنفة.
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩))
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ).
استئناف ابتدائي ، قصد منه المقابلة بين خلق الفريقين ، فالمؤمنون يحبّون أهل الكتاب ، وأهل الكتاب يبغضونهم ، وكلّ إناء بما فيه يرشح ، والشأن أنّ المحبّة تجلب المحبّة إلّا إذا اختلفت المقاصد والأخلاق.
وتركيب ها أنتم أولاء ونظائره مثل ها أنا تقدم في قوله تعالى ـ في سورة البقرة [٨٥] ـ : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ). ولمّا كان التعجيب في الآية من مجموع الحالين قيل : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) فالعجب من محبّة المؤمنين إيّاهم في حال بغضهم المؤمنين ، ولا يذكر بعد اسم الإشارة جملة في هذا التركيب إلّا والقصد التعجّب من مضمون تلك الجملة.
وجملة (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) جملة حال من الضمير المرفوع في قوله : (تُحِبُّونَهُمْ) لأنّ محلّ التّعجيب هو مجموع الحالين.