ومتعلّق فعلها أعني (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ). والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ ، خلافا لمن منع ذلك من النحويين .. فإنّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التّقوى تأدّبا بنسبة قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧٠].
ومن الشكر على ذلك النّصر أن يثبتوا في قتال العدو ، وامتثال أمر النّبيءصلىاللهعليهوسلم ، وأن لا تفلّ حدّتهم هزيمة يوم أحد.
وظرف (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) زماني وهو متعلّق «بنصركم» لأنّ الوعد بنصرة الملائكة والمؤمنين كان يوم بدر لا يوم أحد. هذا قول جمهور المفسّرين.
وخصّ هذا الوقت بالذكر لأنّه كان وقت ظهور هذه المعجزة ، وهذه النّعمة ، فكان جديرا بالتذكير والامتنان.
والمعنى : إذ تعد المؤمنين بإمداد الله بالملائكة ، فما كان قول النّبيء صلىاللهعليهوسلم لهم تلك المقالة إلّا بوعد أوحاه الله إليه أن يقوله.
والاستفهام في قوله : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) تقريري ، والتقريري يكثر أن يورد على النّفي ، كما قدّمنا بيانه عند قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) في سورة البقرة [٢٤٣].
وإنّما جيء في النّفي بحرف لن الّذي يفيد تأكيد النّفي للإشعار بأنّهم كانوا يوم بدر لقلّتهم ، وضعفهم ، مع كثرة عدوّهم ، وشوكته ، كالآيسين من كفاية هذا المدد من الملائكة ، فأوقع الاستفهام التّقريري على ذلك ليكون تلقينا لمن يخالج نفسه اليأس من كفاية ذلك العدد من الملائكة ، بأن يصرّح بما في نفسه ، والمقصود من ذلك لازمه ، وهذا إثبات أنّ ذلك العدد كاف.
ولأجل كون الاستفهام غير حقيقي كان جوابه من قبل السائل بقوله : (بَلى) لأنّه ممّا لا تسع المماراة فيه كما سيأتي في قوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) في سورة الأنعام [١٩] ، فكان (بلى) إبطالا للنفي ، وإثباتا لكون ذلك العدد كافيا ، وهو من تمام مقالة النّبيء صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين.
وقد جاء ـ في سورة الأنفال [٩] ـ عند ذكره وقعة بدر أن الله وعدهم بمدد من الملائكة عدده ألف بقوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ