الظاهر لا يرجع إلى ذنب ندم على فعله ، وإن أريد بالإصرار اعتقاد العود إلى الذنب فنفيه هو التّوبة الخالصة ، وهو يستلزم حصول الإقلاع معه إذ التلبّس بالذنب لا يجتمع مع العزم على عدم العود إليه ، فإنّه متلبّس به من الآن.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦))
استئناف للتنويه بسداد عملهم : من الاستغفار ، وقبول الله منهم.
وجيء باسم الإشارة لإفادة أنّ المشار إليهم صاروا أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة ، لأجل تلك الأوصاف الّتي استوجبوا الإشارة لأجلها.
وهذا الجزاء وهو المغفرة وعد من الله تعالى ، تفضّلا منه : بأن جعل الإقلاع عن المعاصي سببا في غفران ما سلف منها. وأمّا الجنّات فإنّما خلصت لهم لأجل المغفرة ، ولو أخذوا بسالف ذنوبهم لما استحقّوا الجنّات فالكلّ فضل منه تعالى.
وقوله : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) تذييل لإنشاء مدح الجزاء. والمخصوص بالمدح محذوف تقديره هو. والواو للعطف على جملة (جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ) فهو من عطف الإنشاء على الإخبار ، وهو كثير في فصيح الكلام ، وسمّي الجزاء أجرا لأنّه كان عن وعد للعامل بما عمل. والتّعريف في (العاملين) للعهد أي : ونعم أجر العاملين هذا الجزاء ، وهذا تفضيل له والعمل المجازي عليه أي إذا كان لأصناف العاملين أجور ، كما هو المتعارف ، فهذا نعم الأجر لعامل.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧))
استئناف ابتدائي : تمهيد لإعادة الكلام على ما كان يوم أحد ، وما بينهما استطراد ، كما علمت آنفا ، وهذا مقدّمة التّسلية والبشارة الآيتين. ابتدئت هاته المقدّمة بحقيقة تاريخية : وهي الاعتبار بأحوال الأمم الماضية.
وجيء ب (قد) ، الدّالة على تأكيد الخبر ، تنزيلا لهم منزلة من ينكر ذلك لما ظهر عليهم من انكسار الخواطر من جراء الهزيمة الحاصلة لهم من المشركين ، مع أنّهم يقاتلون لنصر دين الله ، وبعد أن ذاقوا حلاوة النّصر يوم بدر ، فبيّن الله لهم أنّ الله جعل سنّة هذا