بديع معنى لأنّ بلغتهم أخبار المكذّبين ، ومن المكذّبين عاد وثمود وأصحاب الأيكة وأصحاب الرسّ ، وكلّهم في بلاد العرب يستطيعون مشاهدة آثارهم ، وقد شهدها كثير منهم في أسفارهم.
وفي الآية دلالة على أهميّة علم التّاريخ لأنّ فيه فائدة السير في الأرض ، وهي معرفة أخبار الأوائل ، وأسباب صلاح الأمم وفسادها. قال ابن عرفة : «السير في الأرض حسّي ومعنوي ، والمعنوي هو النظر في كتب التّاريخ بحيث يحصل للنّاظر العلم بأحوال الأمم ، وما يقرب من العلم ، وقد يحصل به من العلم ما لا يحصل بالسير في الأرض لعجز الإنسان وقصوره».
وإنّما أمر الله بالسير في الأرض دون مطالعة الكتب لأنّ في المخاطبين من كانوا أمّيين ، ولأنّ المشاهدة تفيد من لم يقرأ علما وتقوّي علم من قرأ التّاريخ أو قصّ عليه.
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨))
تذييل يعمّ المخاطبين الحاضرين ومن يجيء بعدهم من الأجيال ، والإشارة إمّا إلى ما تقدّم بتأويل المذكور ، وإمّا إلى حاضر في الذهن عند تلاوة الآية وهو القرآن.
والبيان : الإيضاح وكشف الحقائق الواقعة. والهدى : الإرشاد إلى ما فيه خير النّاس في الحال والاستقبال. والموعظة : التحذير والتخويف. فإن جعلت الإشارة إلى مضمون قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) [آل عمران : ١٣٧] الآية فإنّها بيان لما غفلوا عنه من عدم التّلازم بين النّصر وحسن العاقبة ، ولا بين الهزيمة وسوء العاقبة ، وهي هدى لهم لينتزعوا المسببات من أسبابها ، فإن سبب النجاح حقا هو الصلاح والاستقامة ، وهي موعظة لهم ليحذروا الفساد ولا يغترّوا كما اغترّت عاد إذ قالوا : «من أشدّ منّا قوّة».
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩))
قوله : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) نهي للمسلمين عن أسباب الفشل. والوهن : الضعف ، وأصله ضعف الذات : كالجسم في قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)[مريم : ٤] ، والحبل في قول زهير :
فأصبح الحبل منها خلقا
وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأسا ، والشّجاعة