وفي الحديث «ويل للأعقاب من النّار» والمراد منه جهة الأعقاب أي الوراء.
وقوله : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) أي شيئا من الضر ، ولو قليلا ، لأنّ الارتداد عن الدّين إبطال لما فيه صلاح النّاس ، فالمرتدّ يضرّ بنفسه وبالنّاس ، ولا يضرّ الله شيئا ، ولكن الشاكر الثّابت على الإيمان يجازي بالشكر لأنّه سعى في صلاح نفسه وصلاح النّاس ، والله يحبّ الصلاح ولا يحبّ الفساد.
والمقصود من الآية العتاب على ما وقع من الاضطراب ، والثناء على الّذين ثبتوا ووعظوا النّاس ، والتحذير من وقوع الارتداد عند موت الرسول ـ عليهالسلام ـ ، وقد وقع ما حذّرهم الله منه بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم إذا ارتد كثير من المسلمين ، وظنّوا اتّباع الرسول مقصورا على حياته ، ثمّ هداهم الله بعد ذلك ، فالآية فيها إنباء بالمستقبل.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥))
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً).
جملة معترضة ، والواو اعتراضية.
فإن كانت من تتمة الإنكار على هلعهم عند ظنّ موت الرسول ، فالمقصود عموم الأنفس لا خصوص نفس الرسول ـ عليهالسلام ـ ، وتكون الآية لوما للمسلمين على ذهولهم عن حفظ الله رسوله من أن يسلّط عليه أعداؤه ، ومن أن يخترم عمره قبل تبليغ الرسالة. وفي قوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] عقب قوله : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٧] الدالّ على أنّ عصمته من النّاس لأجل تبليغ الشّريعة. فقد ضمن الله له الحياة حتّى يبلّغ شرعه ، ويتمّ مراده ، فكيف يظنّون قتله بيد أعدائه ، على أنّه قبل الإعلان بإتمام شرعه ، ألا ترى أنّه لمّا أنزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] الآية. بكى أبو بكر وعلم أنّ أجل النّبيء صلىاللهعليهوسلم قد قرب ، وقال : ما كمل شيء إلّا نقص. فالجملة ، على هذا ، في موضع الحال ، والواو واو الحال.
وإن كان هذا إنكارا مستأنفا على الّذين فزعوا عند الهزيمة وخافوا الموت ، فالعموم في النفس مقصود أي ما كان ينبغي لكم الخوف وقد علمتم أنّ لكلّ نفس أجلا.
وجيء في هذا الحكم بصيغة الجحود للمبالغة في انتفاء أن يكون موت قبل الأجل ،