(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨))
عطف على قوله : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) [آل عمران : ١٤٤] الآية وما بينهما اعتراض ، وهو عطف العبرة على الموعظة فإنّ قوله : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) موعظة لمن يهمّ بالانقلاب ، وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ) عبرة بما سلف من صبر أتباع الرسل والأنبياء عند إصابة أنبيائهم أو قتلهم ، في حرب أو غيره ، لمماثلة الحالين. فالكلام تعريض بتشبيه حال أصحاب أحد بحال أصحاب الأنبياء السالفين لأنّ محلّ المثل ليس هو خصوص الانهزام في الحرب بل ذلك هو الممثل. وأمّا التّشبيه فهو بصير الأتباع عند حلول المصائب أو موت المتبوع.
«وكأيّن» كلمة بمعنى التكثير ، قيل : هي بسيطة موضوعة للتكثير ، وقيل : هي مركّبة من كاف التّشبيه وأي الاستفهامية وهو قول الخليل وسيبويه ، وليست (أيّ) هذه استفهاما حقيقيّا ، ولكنّ المراد منها تذكير المستفهم بالتكثير ، فاستفهامها مجازي ، ونونها في الأصل تنوين ، فلمّا ركّبت وصارت كلمة واحدة جعل تنوينها نونا وبنيت. والأظهر أنّها بسيطة وفيها لغات أربع ، أشهرها في النثر كأيّن بوزن كعيّن (هكذا جرت عادة اللغويين والنحاة إذا وزنوا الكلمات المهموزة أن يعوّضوا عن حرف الهمزة بحرف العين لئلا تلتبس الهمزة بالألف أو الياء الّتي تكتب في صورة إحداهما) ، وأشهرها في الشعر كائن بوزن اسم فاعل كان ، وليست باسم فاعل خلافا للمبرّد ، بل هي مخفّف كأيّن.
ولهم في كيفية تخفيفها توجيهات أصلها قول الخليل لمّا كثر استعمالها تصرّف فيها العرب بالقلب والحذف في بعض الأحوال. قلت : وتفصيله يطول. وأنا أرى أنّهم لمّا راموا التّخفيف جعلوا الهمزة ألفا ، ثمّ التقى ساكنان على غير حدّه ، فحذفوا الياء الساكنة فبقيت الياء المكسورة فشابهت اسم فاعل (كان) فجعلوها همزة كالياء الّتي تقع بعد ألف زائدة ، وأكثر ما وقع في كلام العرب هو كاين لأنّها أخف في النظم وأسعد بأكثر الموازين في أوائل الأبيات وأواسطها بخلاف كائن ، قال الزجاج : اللغتان الجيّدتان كايّن وكائن. وحكى الشّيخ ابن عرفة في تفسيره عن شيخه ابن الحباب قال : أخبرنا شيخنا أحمد بن