بخلاف إضافة المصدر الصّريح ، وذلك جائز في باب (كان) في غير صيغ القصر ، وأمّا في الحصر فمتعيّن تقديم المحصور.
والمراد من الذنوب جميعها ، وعطف عليه بعض الذنوب وهو المعبّر عنه هنا بالإسراف في الأمر ، والإسراف هو الإفراط وتجاوز الحدّ ، فلعلّه أريد به الكبائر من الذنوب كما نقل عن ابن عبّاس وجماعة ، وعليه فالمراد بقوله : أمرنا ، أي ديننا وتكليفنا ، فيكون عطف خاص للاهتمام بطلب غفرانه ، وتمحّض المعطوف عليه حينئذ لبقية الذنوب وهي الصّغائر. ويجوز عندي أن يكون المراد بالإسراف في الأمر التقصير في شأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال ، والاستعداد له ، أو الحذر من العدوّ ، وهذا الظاهر من كلمة أمر ، بأن يكونوا شكّوا أن يكون ما أصابهم من هزيمتهم في الحرب مع عدوّهم ناشئا عن سببين : باطن وظاهر ، فالباطن هو غضب الله عليهم من جهة الذنوب ، والظاهر هو تقصيرهم في الاستعداد والحذر ، وهذا أولى من الوجه الأول.
وقوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) إعلام بتعجيل إجابة دعوتهم لحصول خيري الدنيا والآخرة ، فثواب الدّنيا هو الفتح والغنيمة ، وثواب الآخرة هو ما كتب لهم حينئذ من حسن عاقبة الآخرة ، ولذلك وصفه بقوله : (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) لأنّه خير وأبقى. وتقدّم الكلام على الثّواب عند قوله تعالى ـ في سورة البقرة [١٠٣] ـ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ).
وجملة (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تذييل أي يحبّ كلّ محسن ، وموقع التذييل يدلّ على أنّ المتحدّث عنهم هم من الّذين أحسنوا ، فاللام للجنس المفيد معنى الاستغراق ، وهذه من أكبر الأدلّة على أنّ (أل) الجنسية إذا دخلت على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، وأنّ الاستغراق المفاد من (أل) إذا كان مدخولها مفردا وجملة سواء.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠))
استئناف ابتدائي للانتقال من التّوبيخ واللوم والعتاب إلى التّحذير ، ليتوسّل منه إلى معاودة التسلية ، على ما حصل من الهزيمة ، وفي ضمن ذلك كلّه ، من الحقائق الحكمية والمواعظ الأخلاقية والعبر التّاريخية ، ما لا يحصيه مريد إحصائه.
والطاعة تطلق على امتثال أمر الآمر وهو معروف ، وعلى الدخول تحت حكم