كان حامله ، فقيّض الله معبد بن أبي معبد الخزاعي وهو كافر فجاء إلى رسول الله فقال : «إنّ خزاعة قد ساءها ما أصابك ولوددنا أنّك لم ترزأ في أصحابك» ثمّ لحق معبد بقريش فأدركهم بالرّوحاء قد أجمعوا الرجعة إلى قتال المسلمين فقال له أبو سفيان : ما وراءك يا معبد ، قال : محمد وأصحابه قد خرجوا يطلبونكم في جمع لم أر مثله قط ، يتحرّقون عليكم ، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه ، فقال : ويلك ، ما تقول؟! قال : ما أرى أنّك ترتحل حتّى ترى نواصي الخيل ولقد حملني ما رأيت منه على أن قلت فيه :
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي |
|
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل |
تردي بأسد كرام لا تنابلة |
|
عند اللّقاء ولا ميل معازيل |
فظلت أعدو وأظنّ الأرض مائلة |
|
لمّا سموا برئيس غير مخذول |
فوقع الرّعب في قلوب المشركين وقال صفوان بن أميّة : لا ترجعوا فإنّي أرى أنّه سيكون للقوم قتال غير الّذي كان.
وقوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي ما لا سلطان له. والسلطان : الحجّة والبرهان لأنّه يتسلّط على النّفس ، ونفي تنزيله وأريد نفي وجوده ، لأنّه لو كان لنزل أي لأوحى الله به إلى النّاس ، لأنّ الله لم يكتم النّاس الإرشاد إلى ما يجب عليهم من اعتقاد على ألسنة الرسل ، فالتنزيل إمّا بمعنى الوحي ، وإمّا بمعنى نصب الأدلّة عليهم كقولهم : «نزلت الحكمة على ألسنة العرب وعقول الفرس وأيدي الصّين» ولمّا كان الحقّ لا يعدو هذين الحالين : لأنّه إمّا أن يعلم بالوحي ، أو بالأمارات ، كان نفي تنزيل السلطان على الإشراك كناية عن نفي السلطان نفسه ، كقول الشاعر الّذي لا يعرف اسمه :
لا تفزع الأرنب أهوالها |
|
ولا ترى الضبّ بها ينجحر |
وقوله : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) ذكر عقابهم في الآخرة. والمأوى مفعل من أوى إلى كذا إذا ذهب إليه ، والمثوى مفعل من ثوى إذا أقام ؛ فالنّار مصيرهم ومقرّهم والمراد المشركون.
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢))