عجل لهم الإعلام بالعفو لكيلا تطير نفوسهم رهبة وخوفا من غضب الله تعالى.
وفي تذييله بقوله : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) تأكيد ما اقتضاه قوله : (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) والظاهر أنّه عفو لأجل التأويل ، فلا يحتاج إلى التّوبة ، ويجوز أن يكون عفوا بعد ما ظهر منهم من الندم والتّوبة ، ولأجل هذا الاحتمال لم تكن الآية صالحة للاستدلال على الخوارج والمعتزلة القائلين بأنّ المعصية تسلب الإيمان.
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣))
(إِذْ تُصْعِدُونَ) متعلّق بقوله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) [آل عمران : ١٥٢] أي دفعكم عن المشركين حين أنتم مصعدون.
والإصعاد : الذهاب في الأرض لأنّ الأرض تسمّى صعيدا ، قال جعفر بن علبة :
هواي مع الركب اليمانين مصعد
والإصعاد أيضا السّير في الوادي ، قال قتادة والربيع : أصعدوا يوم أحد في الوادي. والمعنى : تفرّون مصعدين ، كأنّه قيل : تذهبون في الأرض أي فرارا ، ف إذ) ظرف للزمان الّذي عقب صرف الله إيّاهم وكان من آثاره.
(وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) أي في هذه الحالة. واللّيّ مجاز بمعنى الرّحمة والرفق مثل العطف في حقيقته ومجازه ، فالمعنى ولا يلوي أحد عن أحد فأوجز بالحذف ، والمراد على أحد منكم ، يعني : فررتم لا يرحم أحد أحدا ولا يرفق به ، وهذا تمثيل للجدّ في الهروب حتّى إنّ الواحد ليدوس الآخر لو تعرّض في طريقه.
وجملة (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) حال ، والأخرى آخر الجيش أي من ورائكم. ودعاء الرسول دعاؤه إيّاهم للثبات والرجوع عن الهزيمة ، وهذا هو دعاء الرسول النّاس بقوله : «إليّ عباد الله من يكر فله الجنّة».
وقوله : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا) إن كان ضمير (فَأَثابَكُمْ) ضمير اسم الجلالة ، وهو الأظهر والموافق لقوله بعده : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) [آل عمران : ١٥٤] فهو عطف على (صَرَفَكُمْ) [آل عمران : ١٥٢] أي ترتّب على الصرف إثابتكم. وأصل الإثابة إعطاء الثّواب