المثل : «ما بين الرأيين رأي».
وقوله : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) التوكّل حقيقته الاعتماد ، وهو هنا مجاز في الشروع في الفعل مع رجاء السداد فيه من الله ، وهو شأن أهل الإيمان ، فالتوكّل انفعال قلبي عقلي يتوجّه به الفاعل إلى الله راجيا الإعانة ومستعيذا من الخيبة والعوائق ، وربّما رافقه قول لساني وهو الدعاء بذلك. وبذلك يظهر أن قوله : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) دليل على جواب إذا ، وفرع عنه ، والتقدير : فإذا عزمت فبادر ولا تتأخّر وتوكّل على الله ، لأنّ للتأخّر آفات ، والتردّد يضيّع الأوقات ، ولو كان التّوكل هو جواب إذا لما كان للشورى فائدة لأنّ الشورى كما علمت لقصد استظهار أنفع الوسائل لحصول الفعل المرغوب على أحسن وجه وأقربه ، فإنّ القصد منها العمل بما يتّضح منها ، ولو كان المراد حصول التوكّل من أوّل خطور الخاطر ، لما كان للأمر بالشورى من فائدة. وهذه الآية أوضح آية في الإرشاد إلى معنى التّوكل الّذي حرف القاصرون ومن كان على شاكلتهم معناه ، فأفسدوا هذا الدين من مبناه.
وقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) لأنّ التوكّل علامة صدق الإيمان ، وفيه ملاحظة عظمة الله وقدرته ، واعتقاد الحاجة إليه ، وعدم الاستغناء عنه وهذا ، أدب عظيم مع الخالق يدلّ على محبّة العبد ربّه فلذلك أحبّه الله.
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠))
استئناف نشأ عن قوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) [آل عمران : ١٥٧] أو عن قوله : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) [آل عمران : ١٥٦] الآية.
ولو حمل هذا الخبر على ظاهر الإخبار لكان إخبارا بأمر معلوم عند المخاطبين إذ هم مؤمنون ، ولا يجهل مؤمن أنّ الله إذا قدّر نصر أحد فلا رادّ لنصره ، وأنّه إذا قدّر خذله فلا ملجأ له من الهزيمة ، فإنّ مثل هذا المعنى محقّق في جانب الله لا يجهله معترف بإلهيته ، مؤمن بوحدانيته ، وهل بعد اعتقاد نفي الشريك عن الله في ملكه مجال لاعتقاد وجود ممانع له في إرادته ، فيتعيّن أن يكون هذا الخبر مرادا به غير ظاهر الإخبار ، وأحسن ما يحمل عليه أن يكون تقريرا لتسلية المؤمنين على ما أصابهم من الهزيمة ، حتّى لا يحزنوا على ما فات لأنّ ردّ الأمور إلى الله تعالى عند العجز عن تداركها مسلاة للنفس ، وعزاء