والاستفهام إنكار للمماثلة المستفادة من كاف التّشبيه فهو بمعنى لا يستوون. والاتّباع هنا بمعنى التطلّب : شبه حال المتوخي بأفعاله رضى الله بحال المتطلّب لطلبة فهو يتبعها حيث حلّ ليقتنصها ، وفي هذا التّشبيه حسن التنبيه على أنّ التحصيل على رضوان الله تعالى محتاج إلى فرط اهتمام ، وفي فعل (باء) من قوله : (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) تمثيل لحال صاحب المعاصي بالّذي خرج يطلب ما ينفعه فرجع بما يضرّه ، أو رجع بالخيبة كما تقدّم في معنى قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) في سورة البقرة [١٦]. وقد علم من هذه المقابلة حال أهل الطاعة وأهل المعصية ، أو أهل الإيمان وأهل الكفر.
وقوله : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) عاد الضّمير ل (فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) لأنّهم المقصود من الكلام ، ولقرينة قوله : (دَرَجاتٌ) لأن الدرجات منازل رفعة.
وقوله : (عِنْدَ اللهِ) تشريف لمنازلهم.
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤))
استئناف لتذكير رجال يوم أحد وغيرهم من المؤمنين بنعمة الله عليهم. ومناسبة ذكره هنا أنّ فيه من التسلية على مصيبة الهزيمة حظّا عظيما ، إذ قد شاع تصبير المحزون وتعزيته بتذكيره ما هو فيه من النعم ، وله مزيد ارتباط بقوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩] ، وكذلك جاءت آي هذا الغرض في قصة أحد ناشئا بعضها عن بعض ، متفنّنة في مواقعها بحسب ما سمحت به فرص الفراغ من غرض والشروع في غيره فما تجد طراد الكلام يغدو طلقا في حلبة الاستطراد إلا وتجد له رواحا إلى منبعثه.
والمنّ هنا : إسداء المنّة أي النّعمة ، وليس هو تعداد النعمة على المنعم عليه مثل الّذي في قوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) في سورة البقرة [٢٦٤] ، وإن كان ذكر هذا المنّ منّا بالمعنى الآخر. والكلّ محمود من الله تعالى لأنّ المنّ إنّما كان مذموما لما فيه من إبداء التطاول على المنعم عليه ، وطول الله ليس بمجحود.
والمراد بالمؤمنين هنا المؤمنون يومئذ وهم الّذين كانوا مع النّبيء صلىاللهعليهوسلم بقرينة السياق وهو قوله : (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي من أمّتهم العربية.
و (إذ) ظرف ل (منّ) لأنّ الإنعام بهذه النّعمة حصل أوقات البعث.