٢١٠] فمثل ذلك مقطوع بوجوب تأويله ولا يدعي أحد ، أن ما أوّله به هو المراد منه ولكنّه وجه تابع لإمكان التأويل ، وهذا النوع أشدّ مواقع التشابه والتأويل.
وقد استبان لك من هذه التأويلات : أنّ نظم الآية جاء على أبلغ ما يعبّر به في مقام يسع طائفتين من علماء الإسلام في مختلف العصور.
وقوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حال من (الراسخون) أي يعلمون تأويله في هذه الحالة والمعنى عليه : يحتمل أن يكون المراد من القول الكناية عن الاعتقاد ؛ لأنّ شأن المعتقد أن يقول معتقده ، أي يعلمون تأويله ولا يهجس في نفوسهم شك من جهة وقوع المتشابه حتى يقولوا : لما ذا لم يجىء الكلام كلّه واضحا ، ويتطرّقهم من ذلك إلى الرّيبة في كونه من عند الله ، فلذلك يقولون : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). ويحتمل أنّ المراد يقولون لغيرهم : أي من لم يبلغ مرتبة الرسوخ من عامة المسلمين ، الذين لا قبل لهم بإدراك تأويله ، ليعلّموهم الوقوف عند حدود الإيمان ، وعدم التطلّع إلى ما ليس في الإمكان ، وهذا يقرب ممّا قاله أهل الأصول : إنّ المجتهد لا يلزمه بيان مدركه للعامي ، إذا سأله عن مأخذ الحكم ، إذا كان المدرك خفيا. وبهذا يحصل الجواب عن احتجاج الفخر بهذه الجملة لترجيح الوقف على اسم الجلالة.
وعلى قول المتقدّمين يكون قوله : (يَقُولُونَ) خبرا ، وقولهم : (آمَنَّا بِهِ) آمنّا بكونه من عند الله ، وإن لم نفهم معناه.
وقوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) أي كل من المحكم والمتشابه. وهو على الوجهين بيان لمعنى قولهم : (آمَنَّا بِهِ) ، فلذلك قطعت الجملة. أي كلّ من المحكم والمتشابه ، منزل من الله.
وزيدت كلمة (عند) للدلالة على أنّ من هنا للابتداء الحقيقي دون المجازي ، أي هو منزل من وحي الله تعالى وكلامه ، وليس كقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ١٩٧].
وجملة (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) تذييل ، ليس من كلام الراسخين ، مسوق مساق الثناء عليهم في اهتدائهم إلى صحيح الفهم.
والألباب : العقول. وتقدّم عند قوله تعالى : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) في سورة البقرة [١٩٧].