عصين أمركم.
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢))
قوله : (وَلا تَحْسَبَنَ) عطف على (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) [آل عمران : ١٦٨] ، فلمّا أمر الله نبيئه أن يجيبهم بما فيه تبكيتهم على طريقة إرخاء العنان لهم في ظنّهم أنّ الذين قتلوا من إخوانهم قد ذهبوا سدى ، فقيل لهم : إنّ الموت لا مفرّ منه على كل حال ، أعرض بعد ذلك عن خطابهم لقلّة أهليتهم ، وأقبل على خطاب من يستأهل المعرفة ، فقال : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) وهو إبطال لما تلهّف منه المنافقون على إضاعة قتلاهم.
والخطاب يجوز أن يكون للنبي صلىاللهعليهوسلم تعليما له ، وليعلّم المسلمين ، ويجوز أن يكون جاريا على طريقة العرب في عدم إرادة مخاطب معيّن.
والحسبان : الظنّ فهو نهي عن أن يظنّ أنّهم أموات وبالأحرى يكون نهيا عن الجزم بأنّهم أموات.
وقرأ الجمهور : الذين قتلوا ـ بتخفيف التاء ـ وقرأه ابن عامر ـ بتشديد التاء ـ أي قتّلوا قتلا كثيرا.
وقوله : (بَلْ أَحْياءٌ) للإضراب عن قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) فلذلك كان ما بعدها جملة غير مفرد ، لأنّها أضربت عن حكم الجملة ولم تضرب عن مفرد من الجملة ، فالوجه في الجملة التي بعدها أن تكون اسمية من المبتدأ المحذوف والخبر الظاهر ، فالتقدير : بل هم أحياء ، ولذلك قرأه السبعة ـ بالرفع ـ ، وقرئ ـ بالنصب ـ على أنّ الجملة فعلية ، والمعنى : بل أحسبتم أحياء ، وأنكرها أبو علي الفارسي.
وقد أثبت القرآن للمجاهدين موتا ظاهرا بقوله : (قُتِلُوا) ، ونفي عنهم الموت الحقيقي بقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فعلمنا أنّهم وإن كانوا أموات الأجسام فهم