(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥))
يجوز أن يكون (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) إلى آخره ، بدلا من (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [آل عمران : ١٧٢] ، أو صفة له ، أو صفة ثانية للمؤمنين في قوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٧١] على طريقة ترك العطف في الأخبار. وإنّما جيء بإعادة الموصول ، دون أن تعطف الصلة على الصلة ، اهتماما بشأن هذه الصلة الثانية حتّى لا تكون كجزء صلة ، ويجوز أن يكون ابتداء كلام مستأنف ، فيكون مبتدأ وخبره قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [آل عمران : ١٧٥] أي ذلك القول ، كما سيأتي. وهذا تخلّص بذكر شأن من شئون المسلمين كفاهم الله به بأس عدوّهم بعد يوم أحد بعام ، إنجازا لوعدهم مع أبي سفيان إذ قال : موعدكم بدر في العام القابل ، وكان أبو سفيان قد كره الخروج إلى لقاء المسلمين في ذلك الأجل ، وكاد للمسلمين ليظهر إخلاف الوعد منهم ليجعل ذلك ذريعة إلى الإرجاف بين العرب بضعف المسلمين ، فجاعل ركبا من عبد القيس مارين بمرّ الظّهران قرب مكّة قاصدين المدينة للميرة ، أن يخبروا المسلمين بأنّ قريشا جمعوا لهم جيشا عظيما ، وكان مع الركب نعيم بن مسعود الأشجعي ، فأخبر نعيم ومن معه المسلمين بذلك فزاد ذلك المسلمين استعدادا وحميّة للدين ، وخرجوا إلى الموعد وهو بدر ، فلم يجدوا المشركين وانتظروهم هنالك ، وكانت هنالك سوق فاتّجروا ورجعوا سالمين غير مذمومين ، فذلك قوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) أي الركب العبديون (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أي إنّ قريشا قد جمعوا لكم. وحذف مفعول (جَمَعُوا) أي جمعوا أنفسهم وعددهم وأحلافهم كما فعلوا يوم بدر الأول.
وقال بعض المفسّرين وأهل العربية : إنّ لفظ الناس هنا أطلق على نعيم بن مسعود وأبي سفيان ، وجعلوه شاهدا على استعمال الناس بمعنى الواحد والآية تحتمله ، وإطلاق لفظ الناس مرادا به واحد أو نحوه مستعمل لقصد الإبهام ، ومنه قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء : ٥٤] قال المفسّرون : يعني ب (الناس) محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (فَزادَهُمْ إِيماناً) أي زادهم قول الناس ، فضمير الرفع المستتر في