(فَزادَهُمْ) عائد إلى القول المستفاد من فعل (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) أو عائد إلى الناس ، ولمّا كان ذاك القول مرادا به تخويف المسلمين ورجوعهم عن قصدهم. وحصل منه خلاف ما أراد به المشركون ، جعل ما حصل به زائدا في إيمان المسلمين. فالظاهر أنّ الإيمان أطلق هنا على العمل ، أي العزم على النصر والجهاد ، وهو بهذا المعنى يزيد وينقص. ومسألة زيادة الإيمان ونقصه مسألة قديمة ، والخلاف فيها مبنيّ على أنّ الأعمال يطلق عليها اسم الإيمان ، كما قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] يعني صلاتكم. أمّا التّصديق القلبي وهو عقد القلب على إثبات وجود الله وصفاته وبعثة الرسل وصدق الرسول ، فلا يقبل النقص ، ولا يقبل الزيادة ، ولذلك لا خلاف بين المسلمين في هذا المعنى ، وإنّما هو خلاف مبني على اللفظ ، غير أنّه قد تقرّر في علم الأخلاق أنّ الاعتقاد الجازم إذا تكررت أدلّته ، أو طال زمانه ، أو قارنته التجارب ، يزداد جلاء وانكشافا ، وهو المعبّر عنه بالملكة ، فلعلّ هذا المعنى ممّا يراد بالزيادة ، بقرينة أنّ القرآن لم يطلق وصف النقص في الإيمان بل ما ذكر إلا الزيادة ، وقد قال إبراهيم عليهالسلام : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠].
وقولهم : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) كلمة لعلّهم ألهموها أو تلقّوها عن النبيصلىاللهعليهوسلم. وحسب أي كاف ، وهو اسم جامد بمعنى الوصف ليس له فعل ، قالوا : ومنه اسمه تعالى الحسيب ، فهو فعيل بمعنى مفعل. وقيل : الإحساب هو الإكفاء ، وقيل : هو اسم فعل بمعنى كفى ، وهو ظاهر القاموس. وردّه ابن هشام في توضيحه بأنّ دخول العوامل عليه نحو (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) ، وقولهم : بحسبك درهم ، ينافي دعوى كونه اسم فعل لأنّ أسماء الأفعال لا تدخل عليها العوامل ، وقيل : هو مصدر ، وهو ظاهر كلام سيبويه. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة لفظا دون معنى ، فيبنى على الضمّ مثل : قبل وبعد ، كقولهم : أعطه درهمين فحسب ، ويتجدّد له معنى حينئذ فيكون بمعنى لا غير. وإضافته لا تفيده تعريفا لأنّه في قوة المشتقّ ولذلك توصف به النكرة ، وهو ملازم الإفراد والتذكير فلا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث لأنّه لجموده شابه المصدر ، أو لأنّه لمّا كان اسم فعل فهو كالمصدر ، أو لأنّه مصدر ، وهو شأن المصادر ، ومعناها : إنّهم اكتفوا بالله ناصرا وإن كانوا في قلّة وضعف.
وجملة (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) معطوفة على (حَسْبُنَا اللهُ) في كلام القائلين ، فالواو من المحكي لا من الحكاية ، وهو من عطف الإنشاء على الخبر الذي لا تطلب فيه إلا