ثم الإشارة بقوله : (ذلِكُمُ) إمّا عائد إلى المقال فلفظ الشيطان على هذا مبتدأ ثان ، ولفظه مستعمل في معناه الحقيقي ، والمعنى : أنّ ذلك المقال ناشئ عن وسوسة الشيطان في نفوس الذين دبّروا مكيدة الإرجاف بتلك المقالة لتخويف المسلمين بواسطة ركب عبد القيس.
وإمّا أن تعود الإشارة الى (النَّاسُ) من قوله : (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) لأن الناس مؤوّل بشخص ، أعني نعيم بن مسعود ، فالشيطان بدل أو بيان من اسم الإشارة وأطلق عليه لفظ شيطان على طريقة التشبيه البليغ.
وقوله : (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) تقديره يخوّفكم أولياءه ، فحذف المفعول الأول لفعل (يخوّف) بقرينة قوله بعده : (فَلا تَخافُوهُمْ) فإنّ خوّف يتعدّى إلى مفعولين إذ هو مضاعف خاف المجرّد ، وخاف يتعدّى الى مفعول واحد فصار بالتضعيف متعدّيا إلى مفعولين من باب كسا كما قال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨].
وضمير (فَلا تَخافُوهُمْ) على هذا يعود إلى (أَوْلِياءَهُ) وجملة (وَخافُونِ) معترضة بين جملة (فَلا تَخافُوهُمْ) وجملة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط مؤخّر تقدّم دليل جوابه ، وهو تذكير وإحماء لإيمانهم وإلا فقد علم أنّهم مؤمنون حقّا.
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦))
نهي للرسول عن أن يحزن من فعل قوم يحرصون على الكفر أي على أعماله ومعنى (يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يتوغّلون فيه ويعجلون إلى إظهاره وتأييده والعمل به عند سنوح الفرص ، ويحرصون على إلقائه في نفوس الناس ، فعبّر عن هذا المعنى بقوله : (يُسارِعُونَ) ، فقيل : ذلك من التضمين ضمّن يسارعون معنى يقعون ، فعدّي بفي ، وهي طريقة «الكشاف» وشروحه ، وعندي أنّ هذا استعارة تمثيلية : شبّه حال حرصهم وجدّهم في تفكير الناس وإدخال الشكّ على المؤمنين وتربّصهم الدوائر وانتهازهم الفرص بحال الطالب المسارع الى تحصيل شيء يخشى أن يفوته وهو متوغّل فيه متلبس به ، فلذلك عدّي بفي الدالة على سرعتهم سرعة طالب التمكين ، لا طالب الحصول ، إذ هو حاصل عندهم ولو عدّي بإلى لفهم منه أنّهم لم يكفروا عند المسارعة. قيل : هؤلاء هم المنافقون ، وقيل :