قوم أسلموا ثم خافوا من المشركين فارتدّوا.
وجملة (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) تعليل للنهي عن أن يحزنه تسارعهم الى الكفر بعلّة يوقن بها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ. وموقع إنّ في مثل هذا المقام إفادة التعليل ، وإنّ تغني غناء فاء التسبّب ، كما تقدّم غير مرّة.
ونفي (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) مراد به نفي أن يعطّلوا ما أراده إذ قد كان الله وعد الرسول إظهار دينه على الدّين كلّه ، وكان سعي المنافقين في تعطيل ذلك ، نهي الله رسوله أن يحزن لما يبدو له من اشتداد المنافقين في معاكسة الدعوة ، وبيّن له أنّهم لن يستطيعوا إبطال مراد الله ، تذكيرا له بأنه وعده بأنّه متمّ نوره.
ووجه الحاجة الى هذا النهي : هو أنّ نفس الرسول ، وإن بلغت مرتقى الكمال ، لا تعدو أن تعتريها في بعض أوقات الشدّة أحوال النفوس البشرية : من تأثير مظاهر الأسباب ، وتوقّع حصول المسبّبات العادية عندها ، كما وقع للرسول صلىاللهعليهوسلم يوم بدر. وهو في العريش ، وإذا انتفى إضرارهم الله انتفى إضرارهم المؤمنين فيما وعدهم الله. وقرأ الجمهور : يحزنك ـ بفتح الياء وضمّ الزاي ـ من حزنه إذا أدخل عليه الحزن ، وقرأه نافع ـ بضم الياء وكسر الزاي ـ من أحزنه.
وجملة (يُرِيدُ اللهُ) استئناف لبيان جزائهم على كفرهم في الآخرة ، بعد أن بيّن السلامة من كيدهم في الدنيا والمعنى : أنّ الله خذلهم وسلبهم التوفيق فكانوا مسارعين في الكفر لأنّه أراد أن لا يكون لهم حظّ في الآخرة. والحظّ : النصيب من شيء نافع.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧))
تكرير لجملة (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) قصد به ، مع التأكيد ، إفادة هذا الخبر استقلالا للاهتمام به بعد أن ذكر على وجه التعليل لتسلية الرسول. وفي اختلاف الصلتين إيماء إلى أنّ مضمون كل صلة منهما هو سبب الخبر الثابت لموصولها ، وتأكيد لقوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) المتقدّم ، كقول لبيد :
كدخان نار ساطع أسنامها بعد قوله :