منها تزلزل إيمان الضعفاء ورواج شبه المنافقين ، وموقع (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) ظاهر على الوجهين ، وإن كان قوله : (فَآمِنُوا) خطابا للكفار من المنافقين بناء على أنّ الخطاب في قوله : (عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) وقوله : (لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) للكفّار فالأمر بالإيمان ظاهر ، ومناسبة تفريعه عمّا تقدّم انتهاز فرص الدعوة حيثما تأتّت.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
عطف على (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، لأنّ الظاهر أنّ هذا أنزل في شأن أحوال المنافقين ، فإنّهم كانوا يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، كما حكى الله عنهم في سورة النساء [٣٧] بقوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وكانوا يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا ، وغير ذلك ، ولا يجوز بحال أن يكون نازلا في شأن بعض المسلمين لأنّ المسلمين يومئذ مبرّءون من هذا الفعل ومن هذا الحسبان ، ولذلك قال معظم المفسّرين : إنّ الآية نزلت في منع الزكاة ، أي فيمن منعوا الزكاة ، وهل يمنعها يومئذ إلّا منافق. ولعلّ مناسبة ذكر نزول هذه الآية هنا أنّ بعضهم منع النفقة في سبيل الله في غزوة أحد. ومعنى حسبانه خيرا أنّهم حسبوا أن قد استبقوا مالهم وتنصّلوا عن دفعه بمعاذير قبلت منهم.
أمّا شمولها لمنع الزكاة ، فإن لم يكن بعموم صلة الموصول إن كان الموصول للعهد لا للجنس ، فبدلالة فحوى الخطاب.
وقرأ الجمهور : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ـ بياء الغيبة ـ ، وقرأه حمزة ـ بتاء الخطاب ـ كما تقدّم في نظيره. وقرأ الجمهور : تحسبنّ ـ بكسر السين ـ ، وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ـ بفتح السين ـ.
وقوله : (هُوَ خَيْراً لَهُمْ) قال الزمخشري (هو) ضمير فصل ، وقد يبنى كلامه على أنّ ضمير الفصل لا يختصّ بالوقوع مع الأفعال التي تطلب اسما وخبرا ، ونقل الطيبي عن الزجاج أنّه قال : زعم سيبويه أنّه إنّما يكون فصلا مع المبتدأ والخبر ، يعني فلا يصحّ أن يكون هنا ضمير فصل ولذلك حكى أبو البقاء فيه وجهين : أحدهما أن يكون (هو) ضميرا واقعا موقع المفعول الأوّل على أنه من إنابة ضمير الرفع عن ضمير النصب ، ولعلّ الذي