وعوّضوه بثمن قليل ، وذلك يتضمّن أنّهم أهملوا ما واثقوا عليه من تبيين الكتاب وعدم كتمانه ، ويجوز عودهما إلى الكتاب أي أهملوا الكتاب ولم يعتنوا به ، والمراد إهمال أحكامه وتعويض إقامتها بنفع قليل ، وذلك يدلّ على نوعي الإهمال ، وهما إهمال آياته وإهمال معانيه.
والاشتراء هنا مجاز في المبادلة والثمن القليل ، وهو ما يأخذونه من الرّشا والجوائز من أهل الأهواء والظلم من الرؤساء والعامّة على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة ، وتأويل كلّ حكم فيه ضرب على أيدي الجبابرة والظلمة بما يطلق أيديهم في ظلم الرعيّة من ضروب التأويلات الباطلة ، وتحذيرات الذين يصدعون بتغيير المنكر. وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب إلّا أنّ حكمها يشمل من يرتكب مثل صنيعهم من المسلمين لاتّحاد جنس الحكم والعلّة فيه.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨))
تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدّث عنهم ببيان حالة خلقهم بعد أن بيّن اختلال أمانتهم في تبليغ الدين ، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبّر عنهم بالموصول للتوصّل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشرّ والخسّة ثم لا يقف عند حدّ الانكسار لما فعل أو تطلّب الستر على شنعته ، بل يرتقي فيترقّب ثناء الناس على سوء صنعه ، ويتطلّب المحمدة عليه. وقيل : نزلت في المنافقين ، والخطاب لكلّ من يصلح له الخطاب ، والموصول هنا بمعنى المعرّف بلام العهد لأنّ أريد به قوم معيّنون من اليهود أو المنافقين ، فمعنى (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أنّهم يفرحون بما فعلوا ممّا تقدّم ذكره ، وهو نبذ الكتاب والاشتراء به ثمنا قليلا وإنّما فرحهم بما نالوا بفعلهم من نفع في الدنيا.
ومعنى : (يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) أنّهم يحبّون الثناء عليهم بأنّهم حفظة الشريعة وحرّاسها والعالمون بتأويلها ، وذلك خلاف الواقع. هذا ظاهر معنى الآية. وهو قول مجاهد. وعن ابن عباس أنّهم أتوا إضلال أتباعهم عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وأحبّوا الحمد بأنّهم علماء بكتب الدين.
وفي «البخاري» ، عن أبي سعيد الخدري : أنّها نزلت في المنافقين ، كانوا يتخلّفون عن الغزو ويعتذرون بالمعاذير ، فيقبل منهم النبي صلىاللهعليهوسلم ويحبّون أن يحمدوا بأنّ لهم نية